بعد أن خرج ذلك القاتل وتركني مع المحقق الصغير سألني هذا الأخير إن كنت أستطيع تأليف قصة وحين رأى استغرابي للسؤال أعاده بصيغة أخرى كانت أقرب إلى ما يريد البوح به فجاء السؤال عن الخطوات التي يمر بها الكتاب حين يريدون تأليف القصص الخيالية بدء من افتراض للسيناريو واستحضار للشخصيات الافتراضية والأماكن وغيرها وصولا إلى التنفيذ الذي هو مرحلة الكتابة ، وخلال حديثه لم أرد أن أورط نفسي في تصديق ما فهمت من أنه يريد أن يوصل إلي رسالة مفادها أنه علي أن أعترف بأي شيء مختلق كي أخرج من المأزق الذي أنا فيه وقبل أن أطرد تلك الفكرة المتفائلة كان جانب الخير في نفس المحقق الصغير قد غلب على جوانب الشر في نفوس المجرمين الكبار الذين أقحموه في هكذا موقف دنيء ، وإذا به يخرج عن أسلوب التلميح ويقول بشكل مباشر لا لبس فيه أنه لا يرضى لي بهذا الوضع وأنه لن يسامح نفسه ولن يسامحني إن أنا بقيت في ذلك المكان ، بل ذهب إلى أبعد من هذا وقال لي حرفيا إن هؤلاء الناس لن يتركوك ما لم تعترف لهم بالكذبة التي يريدونها ولا يهمهم إن مت في هذا الغار ثم سألني إن كنت لا زلت أدخن وحين أجبته بأن نعم أعطاني علبة من أجود السجائر الجزائرية تسمى الهقار على اسم سلسلة جبال تقع بولاية تمنراست في الجنوب الشرقي الجزائري كما أعطاني معها علبة كبريت ، ولئن كانت عودتي للتدخين غلطة بعد أن قطعته أو على الأصح انقطع عني منذ حوالي ثلاثة شهور فإني أعتقد أن تلك العلبة ساعدتني على افتراء قصة ما أنزل الله بها من سلطان ، ولازلت أتذكر من الأشياء المضحكة المبكية في تلك القصة حين وصلت المكونين الفرنسيين الذين دربوني كي تنسجم القصة مع التهمة الملفقة لنا لم أتذكر من الأسماء الفرنسية سوى اسم سيدة واحدة كانت تدرسنا اللغة الفرنسية في الإعدادية فأدرجت اسمها وافترضت أن لها زوجا وأدرجته كذلك هما السيدة سوربي والسيد سوربي ( Madame Sorby et Monsieur Sorby ) .
بعد أن انتهى مجلد الكذب ذاك وكان المحقق يساعدني ببعض الأفكار كي أظل في الاتجاه الصحيح الذي يعرف بحكم عمله أنه هو المطلوب أعطاني ورقة صغيرة وطلب مني أن أكتب عليها التعهد الذي سيمليه علي والذي جاء حرفيا بهذه الصيغة " أنا الموقع أسفله محمد فال القاضي أكاه الموقوف بسبب انتمائي للشبكة الموريتانية الفرنسية للجوسسة والتخريب أقسم بالله العلي العظيم أن أظل مخلصا لثورة 20 مايو الخالدة حتى آخر قطرة من دمي " ثم وقعت في اسفل هذا التعهد ، وكنت وأنا أكتب كلمة القسم أتساءل بيني ونفسي عن قيمة قسم أقسمته وأنا صادق بأنني بريء ولم يصدقني أحد فكيف به وقد أديته تحت الإكراه ؟.
جمع المحقق الصغير أوراقه ورحل بعد أن تمنى لي عدم طول المقام ولم أره إلا بعد ذلك اليوم بأكثر من عشر سنين وهو يبحث عن سيارة أجرة في أحد شوارع نواكشوط فكانت فرحتي كبيرة بأن هذه فرصتي لأرد له جزء ولو يسيرا من جمائله لكنه للأسف أقسم أنه مسافر في نفس اليوم ولن يستطيع الذهاب معي إلى البيت فأوصلته إلى حيث يريد بعد أن نفى أن يكون في حاجة إلى أي خدمة أسديها له ثم ودعته على أمل أن نلتقي في يوم يكون لديه الوقت ليجلس معي ولا زلت أنتظره .
يتواصل