مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 33) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 33)

اثنين, 30/01/2017 - 21:16

بدأت أتفاءل بعد ذلك التعهد أن كل شيء قد انتهى وأن خروجي مسألة ساعات أو أيام قليلة على أكثر تقدير إلا أن تفاؤلي تبدد حيث تركوني لمدة تقارب الشهر لم يكلني فيها أحد سوى ذلك العملاق كريه الوجه (ونه ولد أبليله) الذي يزورني في الغالب مرتين في اليوم ، مرة في الزوال ليقدم لي ما يشبه طعام الكلاب الذي أصابني بإسهال كاد يقتلني قدم الله له طعام الأثيم وزاده عذابا زهدا في النار،.

ومرة بعد المغرب كي أفرغ السطل الذي هو بيت خلائي من الفضلات (أكرمكم الله) ، وذلك الوقت ارتبط عندي بذكرى إنسانية تتفطر لها الأكباد حيث أن زنزانة مقابلة لي كانوا قد أتوا إليها بشخص يبدو أنه كان يتألم كثيرا فكنت حين تهدأ الأصوات ليلا أسمع أنينه ورغم ألم سماعه فقد كنت أستأنس به وعندما لا أسمعه أخاف كثيرا من أن يكون قد مات ، وحين أخرج لإفراغ ذلك السطل وأرى آثار مخلفاته أفرح بأنه لازال على قيد الحياة  ، ومرت أيام لم أعد أسمع أنينه في الليل ولا أرى آثار فضلاته فبكيت حزنا على فقدان ذلك الأنيس ، وقد سمعت بعض الروايات غير المؤكدة بعد خروج الجميع من المعتقلات تقول إن أنيسي ذاك هو عبد العزيز ولد هيدالة ابن عم الرئيس الموريتاني الأسبق ويروي أصحاب تلك الروايات أنه في تلك الفترة كان القتلة قد أخلوه إلى مدرسة 12 اكتوبر من أجل أن يوفروا له تغذية بلبن ولحم الإبل لعله يسترد بعضا من قوته التي تلاشت حيث كان يتبع لتلك المدرسة قطيع من النوق يرعاه رفيقي في دراسة الحروف الأبجدية (الدولة) ، ومن المعروف أنهم كانوا يلجؤون بمثل تلك الحالات إلى هناك وكنت أنا شخصيا منهم بالإضافة إلى بعض كبار السن .

في تلك الفترة كنت قد أصبت بإسهال شديد دون أن أتلقى أي علاج مما سبب لي هزالا شديدا إلى درجة أنني أحيانا أعجز عن إكمال الصلاة واقفا كما أصبت بالرمد بسبب الرطوبة والظلام تحت الأرض وبعد أن شفيت منه أصبحت جفوني تنفتح لا إراديا فأضطر إلى تثبيتها بساعدي حتى أنام وبقيت على تلك الحال لفترة طويلة حتى بعد خروجي من المعتقل، ولازالت الآثار النفسية لتلك الحالة ترافقني إلى اليوم فمن المستحيل الآن أن أنام دون أن أضع ساعدي على جفوني حتى ولو كان في الليل والمكان مظلم . 

بعد طول انتظار أصبحت الفكرة المسيطرة على عقلي عبارة قالها لي ذلك المحقق الصغير وهي أن " هؤلاء الناس " بتعبيره هو لا يهمهم إن مت في تلك الحفرة بمعنى أن تلك الكذبة التي كذبتها لم تكن تنطبق عليها مواصفات الكذب الذي تعودوا على انتزاعه من الأبرياء تحت تعذيب لا يشبهه في الفظاعة إلا ما رواه الناجون من المعتقلات النازية .

وبعد أن أصبحت على يقين من أن أيامي أصبحت معدودة إن استمر الحال على ما هو عليه حدثت مفاجأة لم أكن أتوقعها حيث دخل على الحارس في الصباح عكس المعهود وهو يحمل ملابس عسكرية جديدة وحذاء وضعهما على تلك الطاولة الملعونة التي كنت أعذب عليها ، وعليها كتبت أكبر كذبة ثم خرج واكتفى بأن أرجع معه الباب ليعود بعد لحظات يحمل قدرا فيه ماء ساخن وطلب مني أن أخرج للبهو لاستحم وكان هو بيده الآثمة يسكب لي الماء على جسدي فأحسست بما يشبه نشوة الانتصار إذ لا شك أن شيئا ما قد حدث وقد حدث بالفعل ولكن إلى حين .

 

يتواصل .......