بعد ما أكملت الاستحمام أعطاني الملابس الجديدة وطلب مني أن ألبسها وأن أجلس في الغرفة الكبيرة بدل الشبر الذي قضيت فيه أكثر من أربعة أشهر فحملت تلك الخرقة البالية النتنة التي كنت أستعملها كغطاء في الليل وفي النهار أفرشها وبسطها حيث أراني أن أجلس ثم خرج وأحضر شايا وقطعة من خبز حاف ، وكانت تلك المرة الأولى التي أتناول فيها فطورا فاخرا إن قورن بما كنت أتناوله بشكل متقطع في الوجبات الأخرى فتناولت فطوري على مهل كما يتناول الطفل قطعة حلوى يخاف عليها أن تكتمل ، وعندما حان وقت الغداء كدت لا أصدق ما تراه عيني فقد أحضر لي صحنا نظيفا يتربع فيه صديق عزيز هجرني منذ دخلت تلك الخلوة الإجبارية . إنه المبجل (العدس) وفي حضنه تراءت لي قطع من الكبريت الأحمر (اللحم) الذي يذكر ولا يرى تختبئ تحت طرف قطعة من خبز الرابوني الذي كان يعرف بامتلائه عكس خبز 12 أكتوبر الذي كان نحيفا و يحرسه إبراهيم المغامرات .
كان ذلك اليوم من الأيام التي لا تنسى لكونه مثل لي مرحلة تجدد الأمل الذي أوشكت أن أفقده وقد قضيته في معركة نفيسة لطرد الأفكار السوداء من ذهني فقد كانت الوساوس تقول لي بأن هذا الاحتفاء الزائد بي ربما يكون من باب محاكاة بعض القصص عن سجناء في العالم القديم يتم الاحتفاء بهم قبل إعدامهم ، ومما زاد وساوسي أن ذلك الزبانية (ونه ولد أبليله) الذي لا يستطيع المرء أن يقرأ في قسمات وجهه سوى الشر لم يقل لي أي شيء وأغلق علي الباب بعد أن أحضر لي الغداء كما لو أن أي شيء لم يتغير .
مرت ساعات كأنها أعوام دون أن يلوح في الأفق ما يدعو للفرح وبعد أن اختفى شعاع صغير يدخل من ثقب في الباب هو المصدر الوحيد للإنارة والذي كنت أميز به بين الليل والنهار ، سمعت صوت فتح الباب وكان الزائر الجديد هو مسؤول الأمن أو على الأصح مسؤول الإجرام في المدرسة المدعو الخليفة الكوري فأخبرني بأنني سأخرج وحذرني من أن أقول لأي كان أنني كنت في السجن ثم لقنني قصة على أن أرويها لمن يسألني عن المكان الذي كنت فيه ، وتقول القصة بأنني كنت أعد مقررا دراسية لما يعرف بكتائب الصاعقة في مركز خلفي يعرف بالمقاطعة السادسة (B6) رفقة أكثر الناس الذين عرفتهم لؤما و وساخة وهو إبراهيم كردلاس ثم بدأ يرسم لي شفهيا خريطة ذلك المركز الذي لم يسبق لي أن رأيته من قبل وبعد أن أكمل أخبرني أنه بعد ساعة سيأتي من يصحبني إلى الإدارة لألتقي بالمدير الذي كان يومها المدعو المحجوب إبراهيم الملقب ولد أفريطيص والمعروف قبل تأسيس البوليساريو بأنه كان يحيي الأعراس في مدينة الطانطان المغربية كراقص ويقول البعض بأنه امتهن الرقص بعد رسوبه عدة مرات في إعدادية بويزكارن قرب مدينة كلميم جنوب المغرب .
بعد مضي ساعة تقريبا جاء الزبانية المعتوه وأخرجني من الزنزانة ثم أغلقها وأمرني أن أتبعه ، ولو كنت في تلك اللحظة أعرف أنني سأعود إليها مرة أخرى لطلبت منه أن يسمح لي بإخراج سطل الفضلات منها ولكن لاستبعادي لتلك الفرضية فقد سرت خلفه غير باك على فراقها ، وكان يوجد غير بعيد من المدرسة جهة الجنوب مركز يضم بعض أسرى الحرب المغاربة و نحن قادمون من الشمال دار بي دورة طويلة حتى كنا بمحاذاة ذلك المركز وانعطف عائدا إلى المدرسة ففهمت أنه يريد أن يوهم من يراه أنه يقود أسيرا من أسرى الحرب وقد استغرقت تلك الرحلة أضعاف الوقت الذي تتطلبه في الواقع ليدخلني في النهاية من باب خلفي للإدارة يقع في الجهة الغربية مخصص في العادة لدخول عمالها.
يتواصل .......