مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 38) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 38)

أحد, 05/02/2017 - 17:53

في نهاية التحقيق معي حول الصور والرسائل أخرج الخليفة الكوري تلك الورقة التي سبق وأن تعهدت فيها بالبقاء مخلصا " للثورة " وقال لي نحن الآن نريد منك أن تفي بالعهد الذي وقعت عليه في المرة الماضية وأن تنفذ ما نطلبه منك وحين استفسرت عن المطلوب مني كان رده بأن أبدأ بصفة دورية أكتب لهم تقارير عن المعلمين الذين أعمل معهم ولما توسلت إليهم بتذلل أن يعفوني من هذا العمل الذي حمدت الله أنهم لم يجندوني فيه قبل أن أعرف أن مسرحية الشبكة كلها كذب في كذب وإلا لربما كنت قد تحولت إلى أحد عتاة المجرمين لشدة ما كنت مقتنعا بدعاية قيادة البوليساريو ومبادئها الزائفة ولم يتأخر الرد على توسلاتي فقد نادى المجرم الخليفة الكوري على رجل يجلس في غرفة مجاورة يدعى عالي ولد أكماش بأن يحضر له مفاتيح السيارة التي يعمل سائقا لها ثم أمرني أن أتبعه إليها حيث تقف عند الباب الخلفي ونقلني إلى حيث كنت قبل أقل من ثلاثة أشهر وما إن أوقف السيارة أمام المعتقل حتى كان ونه ولد أبليله واقفا كالعادة مثل أبو الهول بشنبه الذي يشبه الهلال المعتم ولم يكد يدخل المفتاح في القفل حتى انفتح الباب وكأنه يقول للفاتح ها أنا ذا أفتح وحدي فلتغرب عني بهذا الوجه الذي يشبه الوجوه التي لا تفلح عند الله .

بعد دخولي للزنزانة وجدت كل شيء كما كان بما فيه بيت الخلاء (السطل) عرفت أنهم لم يجدوا من بعدي متعهدا جديدا يحل محلي فخشيت أن أكون متعهدا ثابتا وهو ما حدث بالفعل حيث أمضيت ما يقارب أربعة عشر شهرا (من أبريل 1985 إلى يونيو 1986) أعيش أغلب ليالي هذه الفترة  في تلك الزنزانة أتعرض فيها بشكل شبه منتظم لشتى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي وكانوا يتعاملون معي بلؤم لا نظير له فلم يكن يكفيهم أن أبيت في الزنزانة و أظل أدرس كما لو كنت أحد أسرى الحرب المغاربة من أمثال ( وارحو ) الذين كان حراسهم المسلحون يقتادونهم في الصباح من مراكزهم ليقدموا الدروس وفي المساء تتم إعادتهم إلى المعتقل والفرق الوحيد بيني وبينهم أنه كان يسمح لي أحيانا أن آوي إلى الفراش مع زملائي من أجل التمويه على سجني بتلك الطريقة ليأتي أحد زوار الليل ويقتادني لأقضي بقية ليلي في استنطاق ينتهي أحيانا بالتوقيع على كذبة جديدة باتهامات لم أسمعها ولم أرها لبعض العاملين معي وأحيانا بشهادات تدين حتى بعض الذين اختفوا ، وذهب بهم اللؤم في ذلك الشتاء القارس أن حرموني من الملابس الشتوية التي تم توزيعها على المعلمين وكان المسؤول عن توزيعها مدير الدروس في ذلك الوقت إبراهيم كردلاس فقد كنت في الصباح خلال رفع العلم الذي كان يحضره الجميع أرتعد من شدة البرد حتى أكاد أسقط فلم يعد باستطاعة بعض المعلمين اخفاء استيائه من حالتي مما دفع أحدهم ذات يوم ويدعى الدحه السالك وهو جريح حرب أن يخلع قميصا صوفيا كان يرتديه وأعطاه لي كأن لسان حاله يقول لسنا نحن الصحراويين من يعاقب المرء باسمنا في مأكله وملبسه ، وأعتقد أن تصرفه ذاك كان له الفضل في حصولي على معطف شتوي لولاه لكنت مت بفعل البرد وأكثر من ذلك حصلت على أدوات تدخين تقليدية جديدة عرفت فيما بعد أنها من صنع إخوتي في معتقل الرشيد .

استمرت معي تلك المعاناة الغريبة لفترة طويلة ومع ذلك لا يلوح في الأفق ما يدل على أنها ستنتهي في القريب العاجل وكان من أقسى ما عانيت فيها وإن كانت كلها قاسية هو أني كنت بعد ليلة من التعذيب لا يمكن أن يظهر على وجهي أنني أتألم أمام التلاميذ ولا أمام أي كان ، ولم يكن الألم الجسدي وحده ما أعانيه بل أن الألم النفسي كان أشد وقعا من أي شيء آخر ولولا قوة إرادتي في أن أبقى متماسكا لكنت أصبت بالجنون مثل غيري ممن فقدوا عقولهم إلى الأبد في تلك المعتقلات الجهنمية ، وليس ما حدث لكل من مولاي الزين وفريك ببعيد وكلاهما لا يزال على قيد الحياة يقوم أهله على رعايته كالطفل .  

 

 يتواصل ........