مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 42) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 42)

خميس, 09/02/2017 - 17:23

أمضيت في مدرسة 9 يونيو سنتين دراسيتين (1987-1988 ، 1988-1989) أولاهما عسل والثانية حنظل لما تعرضت له فيها من مضايقات وإهانات حتى ممن أعمل معهم من المعلمين وكان من النادر أن يمر شهر دون أن أتعرض فيه للبحث والاستنطاق لأتفه الأسباب . غير أن أكثر شيء ألمني في تلك الفترة كلها وجعلني أفكر في أن السجن أرحم هو ذلك التشفي الذي كنت أسمعه حين اندلعت أحداث 1989 بين موريتانيا والسنغال فقد كان البعض لا يخفي نشوته مما تعرض له الموريتانيون من قتل وتنكيل ، ولن أنسى ذلك اليوم الذي قال فيه مراسل البي بي سي من دكار (....وكان السنغاليون يضربون الموريتانيين في الشوارع حتى الموت) وكان رد أحد الحاضرين أن اللهم زدهم قتلا فأمن آخرون وحين استهجن متدخل هذا الكلام ردوا عليه بأن الموريتانيين يستحقون القتل فقد شنوا حربا على الصحراويين ، وما زاد حنقي وألمي ليس كوني لا أستطيع الحديث فقط إنما لأن أغلب المتحدثين كانوا غثاء جاء بهم السيل من مدن جزائرية مثل تيندوف و لخبي ولعباضلة ولم تكن الصحراء تعني لهم شيئا إلا بعد أن صار نزاعها بقرة حلوبا يقتاتون من حليبها بعد السنين العجاف التي عاشوها وعاشها أجدادهم في أرض كان أهلها يعتبرونهم درجة سفلى ويسمونهم (أعريب) فأصبحوا بقدرة قادر من أهل الصحراء الذين عرفوا بالنخوة والترفع عن النقائص .

مع نهاية العطلة الصيفية سنة 1989 كان كل شيء انقلب رأسا على عقب فنظم ما عرف بحملات النقد الذاتي وتمت المصالحة بين المتناحرين وشكلت حكومة وبدا أن تغييرا قد حصل كان من نتائجه أن بدأت تختفي بعض المحاذير المتعلقة بألوهية القيادة التي كان يعتبر مجرد التفكير في نقدها أو إبداء ملاحظة حول قرار اتخذه أحد أعضائها أخطر من الردة في مجتمع مسلم . غير أن ذلك التغيير لم يكن مطلقا ففي حالتي مثلا لا يمكنني إبداء رأيي حول الطريقة التي سأذبح بها وبالفعل فحين أعلنت تحويلات المعلمين للسنة الدراسية 1989-1990 كنت من نصيب مركز للتكوين المهني بمدرسة 12 أكتوبر فلم أعلق لسببين ، أولهما أن من وراء ذلك التعيين هو وزير التعليم سيد أحمد البطل الذي يعرف بأنه مؤسس جهاز القتل (الأمن) التابع لقيادة البوليساريو وهذا سبب يكفي لأن أضع عشرين على فمي ، أما السبب الثاني فهو أنني قد بدأت أحس بأن روحي لم تعد في تلك الأرض ولم أعد أنازع الملك الحسن الثاني رحمه الله على الصحراء كما كان يتهكم علي بعض أصدقائي في رسائل وصلتني يوم كنت في ليبيا وقد بدأت جديا أفكر فيما لو أتيحت لي فرصة فإني سأغادر دون رجعة غير باك ولا داع لأعود لتك الأرض ، خاصة وأنه في تلك الفترة قد فتح باب صغير لإعطاء ترخيص لفترة قصيرة للذين لهم ارتباطات مالية أو عائلية في موريتانيا واسبانيا بالذهاب لتسويتها ، ولهذين السببين التحقت بعملي الجديد بعد أن تقمصت شخصية النجار الماهر الذي تضاهي معرفته للأخشاب معرفتي لعملية البناء الضوئي عند النباتات أيام كنت مدرسا للعلوم الطبيعية وشخصية الميكانيكي المتمكن الذي يميز بين دور بكرة عمود المرفق وبكرة علبة زيت المقود في محرك السيارة مثلما كنت أفرق بين البسيط والمتدارك في علم العروض أيام كنت مدرسا للغة العربية ، وأخذت من علم المنطق أيام كنت مدرسا لقسم الأطر أنه إذا كان كل جبن مصنوع من الحليب فإن الفرار من وجه العدو جبن كي أعرف ما إذا كان لحم الحديد مع الحديد لحما ما دام كل لحم مصدره الحيوان .

 

يتواصل ........