و- يوميات في المعتقل: كنت أعتقد أن ما تعرضت له طيلة ما يقرب من أربع سنوات من المتابعة والسجن والتعذيب لا يمكن أن يتعرض له بشر ثبتت عليه التهمة بالإجرام أحرى أن يكون إنسانا دفعته براءته وحميته لأن يحمل روحه في كفه نصرة لمن كان يعتقد أنهم إخوة يحتاجون لمساعدته مهما كانت بساطتها ، كما كنت أعتقد أن الحقد الدفين للجلادين لا يمكن أن ينعكس في أكثر مما تعرضت له ، غير أنه بعد أن خرج الناجون من قبورهم وسمعت القصص المروعة عما تعرضوا له عرفت أني كنت من المحظوظين وأني بالمقارنة معهم كنت طيلة تلك السنين في رحلة استجمام إذ أن قصصهم تذوب لها الأفئدة ويندى لها الجبين وتتفطر لها الأكباد من شدة هولها ولا يمكن للعقل البشري أن يتصور أنها قد تحدث إلا في قصص الخيال المخيفة وإلا كيف نتصور مثلا أن يلجم الإنسان كما يلجم البعير ثم يعلق بلجامه في السقف لتسهيل وضع ميسم ملتهب على جسده كمن يريد أن يضع وسمه الخاص على بعيره حتى لا يضيع وسط جمال الآخرين مثل ما تم تطبيقه في محمد ولد خطري وأعمر ولد السيد وغيرهم ، وهل يمكن تخيل رجل يدخل عمود خشبي في دبره ويحمل به كما تحمل الذبيحة بعد سلخها ، وأين كرامة الإنسان مما ذكره بعض الناجين أنه حدث مع المرحوم تغرة ولد باباه الذي تم رميه في حفرة للصرف الصحي ، وهل يعقل أن يصدق أن شخصا يتم اختطافه بسبب أن أسلافه سبق وأن شاركوا في حرب بين قبيلتين ويودع في المعتقل لمدة اثنتا عشر سنة دون أن يعرف له أهله أي أثر وفي المعتقل حين يكتشف أنه حافظ للقرآن الكريم ومصمم على عدم نسيانه تتم معاقبته لسنين طويلة بأن يحمل كل يوم فضلات كل المسجونين في مقبرة الرشيد ويفرغها في مطارح مخصصة لها ، وهل يمكن تخيل ضحايا يجبرون على حفر بئر ارتوازية وحين تسقط صخرة على أحدهم وتقصم ظهره يتم رميه في زنزانته ويبقى يئن داخلها حتى يفارق الحياة مثل ما حدث مع المرحوم الشيخ ولد يرعاه الله ، وأين هذا كله من شخص تغرز حقنة في وريده ويترك ينزف حتى يعترف بجريمة لم يرتكبها أو يموت ؟.
قصص كثيرة تقشعر لها الأبدان وتصيب من يسمعها بالغثيان وأقلها نذالة أن هناك رجالا خرجوا من المعتقل ليجدوا أن زوجاتهم قد أنجبن من رجال آخرين بعد أن تم ارغامهن على التطليق بدعوى أن أزواجهن يعتبرون في عداد الأموات ، الأمر الذي يدعو للتقزز عند البحث فقهيا عن نسب المواليد الجدد من نساء على ذمة رجال معلومي المكان ومسلوبين من حريتهم ، والقليلات من النساء اللائي رفضن كن يتعرضن للمضايقات وينعتن بزوجات الخونة ، وهنا لا بد من الاشارة إلى مسألة في منتهى القذارة والرذالة وهي أن بعض الجلادين كانوا يصفون حسابات شخصية مع بعض الضحايا على خلفية أنهم يخطفون أنظار النساء منهم ولا أدل على ذلك من تكسيرهم لأسنان الكثير من الضحايا ، بل بعض المسؤولين الكبار في قيادة البوليساريو أمروا في عدة حالات بتكسير أسنان الضحايا التي يضحكون بها مع النساء بتعبير أولئك المسؤولين المعروفين بأسمائهم ومراكزهم .
ونظرا لأن هذه القصص كثيرة ومؤلمة فسأكتفي بسرد نماذج منها كما رواها أصحابها . وكيف لي أن أكتب عن رجال إن تفحصت أجسادهم عرفت دون عناء أن سياط الجلادين كانت ترتع هناك ، ومن آثار "القيد" على سواعدهم ستعرف أنهم كانوا يعاملون كحيوانات شاردة يريد الرعاة ترويضها ليضعوا عليها وسم المالك حتى لا تضيع في الصحارى و المهامه ، وان استمعت إلى أحاديثهم عن الذكريات الرهيبة التي عاشوها ،ثم رأيتهم يقهقهون ،عرفت أنهم كانوا - قبل أن تداس إنسانيتهم وكرامتهم – رجالا صناديد ، وما كان لمعنوياتهم أن تتحطم أمام أي خطب لولا لؤم جلاديهم من زبانية البوليساريو ، ولولا أن " أم عامر " لم تستطع تغيير غريزتها المتوحشة ، إن سألتهم ، واحدا.. واحدا عن جرمهم ، سمعت نفس الإجابة : " لقد اعتقلوني من جبهات القتال أو من إحدى ساحات البناء وأنا أستعد للموت دونهم ودون المخلفين والنساء والأطفال ، لأكتشف لاحقا في " غار " ليس في حرى أو على الأصح في قبر ليس على قدري أنني أنا مجير " أم عامر" .
يتواصل .......