لا نعتقد ان تزامن زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الخاطفة الى دولتين خليجيتين هما سلطنة عمان والكويت مع الجولة التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حاليا في ثلاث دول خليجية أخرى (البحرين السعودية قطر)، جاء بمحض الصدفة، وانما في اطار تنافس القوتين الاقليميتين العظميين (ايران تركيا) على مناطق النفوذ، وإقامة المحاور والاحلاف السياسية، وربما العسكرية أيضا، مع بدء حرب باردة، ربما تسخن لاحقا بين الإدارة الامريكية الجديدة بزعامة دونالد ترامب وايران.
كان لافتا ان السيد روحاني يزور اليوم (الأربعاء) دولتين خليجيتين، استثناهما الرئيس التركي من جولته هذه، وتتسم مواقفهما بالعقلانية والحياد، والابتعاد عن سياسة المحاور الإقليمية، أي سلطنة عمان والكويت، ووجد فيهما كل الترحيب، وفي وقت يشن فيه الاعلام السعودي الموازي حملة شرسة ضد زيارة الرئيس الإيراني الوشيكة للجزائر في رفض “غير مباشر” لهذه الزيارة لعضوين أساسيين في مجلس التعاون الخليجي.
الإيرانيون يقولون ان زيارة الرئيس روحاني لسلطنة عمان والكويت تأتي تلبية لدعوتين تلقاهما من قيادتي البلدين، وردا على “رسالة الحوار” التي حملها الى طهران الشهر الماضي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، وزير خارجية الكويت، بتكليف من قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في المنامة.
صحيح ان السلطات السعودية سحبت موافقتها على هذه الرسالة، وما تضمنتها من لهجة تصالحية خليجية تجاه الجار الإيراني، ولكن هذا التراجع السعودي المفاجيء احرج الكويت واميرها، وأعطى نتائج عكسية تماما، وربما موافقة الكويت على استقبال السيد روحاني، وفي هذا التوقيت، جاء ردا على هذا الموقف السعودي أولا، واستثنائها من جولة الرئيس اردوغان من جولته الخليجية الحالية ثانيا، حسب ما أكدته لـ”راي اليوم” مصادر اكاديمية خليجية مقيمة في لندن.
وما يرجح هذا التحليل شن كتاب ومسؤولون اماراتيون هجوما شرسا على الرئيس اردوغان، وجولته الحالية على وسائط التواصل الاجتماعي، واتهامه بنشر الفتنة ولعب دور رئيسي في تدمير سورية، جرى استخدام كلمات وعبارات قوية جدا فيها، عكست غضب دولتهم التي كانت الدولة الخليجية الثالثة التي لم تشملها جولة الرئيس التركي، بالإضافة الى عدم الارتياح الاماراتي لدعمه، أي اردوغان، لحركة “الاخوان المسلمين” التي تحاربها الامارات في جميع المحافل الإقليمية والدولية.
زيارة الرئيس اردوغان الى الدول الثلاث تصب في خانة تحرك امريكي جديد لاعادة احياء محور الاعتدال السني، ورغبته الانضمام اليه، بل ربما تزعمه، بالنظر الى توتر العلاقات السعودية مع مصر، الدولة المؤسسة لهذا المحور، هذا الى جانب محاولة فتح الأسواق الخليجية امام المنتوجات التركية، وجذب اكبر قدر ممكن من الاستثمارات في تركيا لإنقاذ عملتها واقتصادها، الذي يواجه حالة من التراجع السريع في مجالات النمو.
الرئيس روحاني يريد الالتفاف على هذا التحرك التركي بزيارته الخاطفة هذه، وايصال رسائل طمأنة للدولة الخليجية، مفادها ان ايران لا تضمر لها أي شر، وحريصة على التعاون، ولكن من الصعب علينا توقع اي نجاح لهذه اللهجة التصالحية في ظل التصعيد الأمريكي، والحروب بالإنابة التي تخوضها كل من السعودية وايران ضد بعضهما البعض في اليمن وسورية والعراق.
هناك تطورات رئيسيان ربما يؤججان من حدة الصراع الإيراني السعودي، الأول: مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية الذي ستستضيفه طهران يوم الثلاثاء المقبل، ويضم ممثلين من سبعين دولة، علاوة على جميع الفصائل الفلسطينية، والثاني الهجوم الشرس، وغير المسبوق، الذي شنه الاعلام المصري على الحكومة السعودية ورئيس مخابراتها، الفريق خالد بن علي الحميدان، الذي وجه تهديدات للاردن ومصر لتجاوزهما الدور السعودي في الازمة السورية، ويعكس المزيد من التدهور في العلاقات بين القاهرة والرياض.
مجلس التعاون الخليجي يقف على اعتاب حالة من الاستقطاب وصراع القوى الإقليمية والدولية على ارضه، وهو صراع قد يؤدي الى حدوث انقسامات ومحاور متصادمة في الأشهر المقبلة، على غرار ما حدث اثناء سحب السفراء من الدوحة قبل ثلاثة أعوام، ان لم يكن اكثر حدة.
“راي اليوم”