خلال زيارة دامت يوما واحدا، توجّه حسن روحاني الأربعاء (15 فبراير 2017) إلى سلطنة عمان والكويت مُعربا في مطار مهرآباد عن أنه: ”سندرس ظروفا تسود العراق وسوريا، لا سيما في اليمن .. حقنا للدماء“ مصرّحا أنه ”إذا حدث سوء تفاهم فسيعالج بالمفاوضة“. (هيئة إذاعة وتلفزيون النظام -15 فبراير 2017) فيما كان قد أكد من قبل، مرارا وتكرارا، أن الحل للمسائل الإقليمية يكمن في إتباع ”أسوة الإتفاق النووي“.
ووصفت صحيفة ”إيران“ التابعة لحكومة روحاني هذه الزيارة بـ ”الربح –الربح“ الإقليمي وكتبت تقول ”إن إيران بصدد خلق تغييرات في التعامل مع دول المنطقة“ فيما عدّت صحيفة ”جهان صنعت“ الحكومية (يوم 15 فبراير 2017) الزيارة بـ ”الهامّة والاستراتيجية“ وعن زيارة روحاني للكويت خاصة قالت ”إنه يمكن اعتبار السفر تواصلا لرسالة أمير الكويت للرئيس الإيراني الذي يعدّ حضوره في هذه البلاد ردا صريحا لإعلان الجاهزية لتنفيذ مفاد الرسالة“.
من جانب آخر، نشاهد تطورات مستمرة جديرة بالإهتمام في المنطقة، توضح معنى ”الاستراتيجية“ لهذه الزيارة منها:
التوتر في العلاقات بين النظام وروسيا إذ أبدت وكالات الأنباء الحكومية قلقا كبيرا من التخاذل الروسي للنظام حيث إنها أعلنت الثلاثاء عن إلغاء زيارة مساعد رئيس الوزراء الروسي إلى إيران (وكالة أنباء اينترفكس الروسية – 14 فبراير) وأظهرت المصادر الرسمية في موسكو سبب إلغاء السفر ”فنيا“ لكن الإعلام ذكر أسبابا أخرى منها تسريب النظام معلومات عن هذه الزيارة السرّية وكان هناك آخرون عزوا الأمر إلى استياء موسكو من إجراء النظام الإيراني لـ ”توفير أجهزة كامبيوترية من دول تحقّر إيران بالعقوبات“ نقلا عن ”مصدر حكومي روسي“. (موقع الديبلوماسية الإيرانية الحكومي نقلا عن صحيفة كامرسانت الروسية -14 فبراير).
وكتبت صحيفة ويكلي استاندارد الأمريكية التابعة لمجلس انتبرايز الأمريكية يوم 15 فبراير أن ”ترامب قد حاول صرف روسيا وإبعادها عن إيران...“.
ولا تخفي الإعلام التابع لزمرة رفسنجاني روحاني تشاؤمها وسخطها من السياسة الروسية في سوريا والتي تتبلور ضد مصالح النظام وموقعه وتؤكد: ”القلق يكمن في أن... رغم كل تكاليف باهظة أنفقتها إيران ... لئلا تجري التطورات إلى ... أن الروس بمشاركة لاعبين آخرين يقصّون ويخيطون القماش لأنفسهم وإن حدث ذلك فإنه يعني الخسارة المضاعفة لنا“. (موقع تدبير الحكومي -14 فبراير)
وأشارت صحيفة أخرى تحت عنوان ”مكانة إيران في المستقبل السوري“ إلى ”السلوك الروسي في الأسابيع الأخيرة“ مبدية قنوطها من أن روسيا تنفذ ”إجراء خاصا“ لصالح النظام في سوريا وكتبت تقول ”إن الروس... هم دائما بصدد اللعب بالورقة الإيرانية لتمرير مصالحهم“. (موقع الديبلوماسية الإيرانية الحكومي -14 فبراير)
وتظهر جميع هذه العلامات أن حسن روحاني قام بهذه الزيارة من المنطلق الضعف.
والواضح أنه ليس لا يقدر على الزيارة دون إذن خامنئي وإنما خامنئي هو الذي أرسله للسفر هذا، إذ إن الشواهد (التي ذكر قسم منها) تدل على أنه من شأن الزيارة أن تكون تمهيدا لتجرع السم الإقليمي. وإذا نقارن التطورات الإقليمية التي حدثت طيلة الشهر الماضي أدناه تؤكد كلها معنى زيارة روحاني ”الاستراتيجية“ التي يكمن لنا أن نعتبرها ذلك التمهيد:
-خروج اوباما عن دائرة السياسة وكذلك المواقف المتشددة للحكومة الأمريكية الجديدة تجاه نظام الملالي
-ابتعاد روسيا عن النظام بعد احتلال حلب
-اقتراب روسيا من تركيا والسعودية
-التواجد العسكري والسياسي لتركيا في الشأن السوري وزحف القوات البرية التركية في الأرض السورية ما ”من شأنه أن يكون له ما بعده“ حسب صحيفة سياسة روز الحكومية (15 فبراير) كما أشارت الصحيفة نفسها إلى ”تبعات خطيرة“ تتمثل في ”هيمنة تركيا ونفوذها في التراب السوري“.
والجدير بالإهتمام أن تركيا استولت خلال عملية مشتركة مع الجيش الحر السوري على معظم مساحات مدينة الباب وأعلن الرئيس التركي عن تواصل العملية حتى فتح مدينة الرقة (مركز داعش في سوريا) وستتحول هذه المنطقة التي تتسع 5 آلاف كيلومتر مربع إلى منطقة آمنه عازلة فيما قد صرح اردوغان قبل آونة أن الهدف من التجييش التركي إلى سوريا يكمن في إسقاط حكومة بشار الأسد...“ (صحيفة سياست روز الحكومية – 15 فبراير)
والتطورات هذه تؤكد أن نظام الملالي يقع على عتبة فصل جبري عن سوريا وثم عن سائر مناطق نفوذها في المنطقة، فعلى هذا يعدّ السم الإقليمي لخامنئي إجبارا ولا إختيارا، شأنه شأن السم النووي والإتفاق النووي، إذن تعتبر زيارة روحاني إلى عمان والكويت هروبا إلى الأمام أملا بانتشال خوردة وحطام من تحت الركام الناتج عن دمار ”العمق الاستراتيجي“ في سوريا ما تظهر التطورات المقبلة مزيدا من الحقائق عنه.