محمد موسى ولد المختار (قتلوا البراءة والنبوغ) هو نجل القاضي الجليل المختار ولد محمد موسى ، كان قريبا إلى قلب والده فكناه بالمنى لما رأى فيه من صفات يتمنى كل أب صالح أن تتجسد في ولده ، وقد رأى فيه كل من خالطوه تلك الصفات . ذات مساء أصبح بالنسبة لي مساء شؤم علمت أن قيادة البوليساريو أتت به من باريس حيث كان يعمل في مكتبها إلى حفرة جهنم المعروفة بمدرسة 12 أكتوبر بدعوى إعادة التكوين العسكري فذهبت للسلام عليه فقد مضت سنوات لم نلتقي فيها ، وخلال الحديث معه أحسست بأنه غير مرتاح للمبرر الذي أتوا به من أجله ، ويومها كانوا قد بدؤوا بالاعتقالات التي تستهدف القادمين من موريتانيا ، ولا زلت أتذكر أن آخر كلام بيننا هو وصيته لي بأن انتبه لنفسي ثم صافحني مودعا دون أن أدري أنه الوداع الأخير .
واليوم أضع صورته على طرف الطاولة أمامي وأبكي بكاء الطفل حين لا يستطع ترتيب أشيائه كما يحب ، لأن الصورة على قداستها لا تستطيع أن تشغل المقعد الذي كان يشغله أمامي كي أحاكي آخر لقاء بيننا ، أيام كان يرد على من يسأله عن مدى اشتياقه للأهل والأحباب : " هؤلاء قومي ، ولن يسألني ربي ؛ وما أعجلك عن قومك يا موسى " ، وفجأة يغدر به " قومه " وبإخوته فيختفي إلى الأبد لتبقى ذكراه الأليمة . عرفته عن كثب حين كنا عضوين في لجنة لإعداد المناهج الدراسية في إحدى مدارس البوليساريو ، وعرفت أنه ابن القاضي الجليل المختار ولد محمد موسى ، ولا أظن أن تلك المعرفة زادته عندي كثيرا ، لأنه كان ببساطة " شبل من ذلك الأسد " ، فقد كان يمتاز بأخلاق عالية قل نظيرها في تلك الأيام ، وكان على صغر سنه مثقفا ، حاد الذكاء ، لامعا في الكثير من مجالات المعرفة ، فقد كان رياضيا وفيزيائيا بامتياز ، يجيد ثلاث لغات حية ، وله باع طويل في فن الأصول والفقه ، ومع هذا كان مثالا في التواضع ونكران الذات ، يحب الخير للجميع ، دون إذن يدخل قلب كل من خالطه ، لم يمارس قط أي عمل إلا وأبدع فيه ، بدء بالتدريس وانتهاء بالعمل الدبلوماسي .
كل ذلك لم يشفع لمحمد موسى ولد المختار ولد محمد موسى عند القتلة من جلادي البوليساريو الذين رأوا في صدقه وإخلاصه وتفانيه كغيره من الشباب الموريتاني خطرا سيكشف حقيقة كونهم ليسوا سوى مصاصي دماء يتاجرون بدماء وعرق الأبرياء ، فتبت أيديهم ... وليتك يا موسى ترى قاتليك .
يبدو أن الله استجاب لدعوات والدك الكريم لهم بشتات الشمل إن كانوا ظلموك ، الثورة التي قتلوك باسمها باعوها بالثروة ، المبادئ التي آمنت بها قايضوها بالمراعي وبدكاكين الخردة ، بنادقهم استعملوها أخشاب بناء لتشييد البناءات والمتاجر في بلاد ليست تلك التي جئت للقتال معهم من أجلها ، الجمهورية الفاضلة حولوها مخلاة متسول يستجدون بها المنظمات الإنسانية ثم يصطافون بريعها في بلاد العجم بعيدا عن أنظار تلك العجوز التي أصلحت لها ذات يوم جهاز الراديو كي تتابع انتصارات من سيقتلونك غدا بدم بارد ، المدارس و المؤسسات التي شاركت في تشييدها صارت لعبة للبنات تقليدية ، ابن الشهيد الصغير الذي كنا نبكي معك لبكائه كبر ثم هاجر للعمل في مزارع الطماطم في بلاد الأندلس ،فماذا بقي يا سيدي كي تحزن عليه ؟ .
فلترقد روحك الطاهرة في جنات الخلد وليخسأ الجلادون في الحطمة .
يتواصل .........