في يوم 6 مارس 2014 أقرت الحكومة الموريتانية عبر عنوان احتفالي ضخم نيتها الشروع في البدء في خارطة طريق تهدف حسب ما اعلنت عنه إلى القضاء على مخلفات العبودية في جميع أنحاء البلاد من خلال ثلاثة محاور : اقتصادي اجتماعي، وحقوقي قانوني، وتعليمي . مسار سليم من الناحية النظرية لكن واضعوه تجاهلوا ذكر الكيفية التي سيتعاملون بها في خطتهم الطموحة مع ما يُتوقع أن يواجههم من تحديات وعراقيل، في ظل إهمال متواصل وعدم تفكير في خلق بنية إدارية وقانونية وقضائية وشعبية مفارقة في جوهرها لعقليات مجتمع رازح منذ آماد بعيد تحت كابوس التخلف بمستوياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي البنية التي من دون الشروع في خلقها سيعتبر من العبث و هدر المال والجهد توقع إنجاز ذي معنى في محاربة ظاهرة أفرزتها قرون من التخلف وسيادة القوى السكونية المغلقة التي لا تزال عصية على الاختراق والتفتيت، وترفض دون مواربة ان يرفع المجتمع رأسه في وجه الوحش الداخلي القبيح الذي يستوطن نفوسه ويحكم قبضته على مجمل مناحي تفكيره ووجدانه، ويشكل دحره واجتثاثه شرطا لازما لبداية الدخول في عصر انوار وطني قادر على تقليص وحرق مراحل التخلف، وبداية الصعود لقطع الصلة مع واقع مجلل بالبلادة وانعدام الوعي.
بوابة دخول هذا العصر هي الشروع الفوري في خلق مدرسة عمومية إجبارية مستوفية الشروط البيداغوجية لجميع أبناء موريتانيا وفي مقدمتهم أبناء ضحايا عصور الظلم، ذلك أن التعليم العمومي المجاني الممول بسخاء من طرف خزينة الدولة المعمم على آدوابة ومختلف قرى ومداشر ومدن البلاد بما فيها المدن الكبرى.. هو وحده، ووحده فقط، ما سيوقف وجود مجتمعين يسيران بسرعتين متباينتين تزيدان باستمرار ما كان يفصلهما من هوة سحيقة، مجتمع الفقر المدقع مع الجهل المركب، وهو مجتمع الطبقات المسحوقة وفي اسفل هرمها ذي القاعدة العريضة جدا يأتي الأرقاء السابقون، ( مسحوقي المسحوقين) ومجتمع الغنى والاحتكار المعرفي والمالي الذي يعزز بالتعليم الخاص الجيد مواقعه ويستمر في التخمة والتجشئ والغثيان، على حساب أنين وصرخات سابقه، وبهذا ( التعليم) تتكاثف سحب المناخ الأفضل لتخصيب آثار الاسترقاق بدل محاربتها، وبفضله يُخلق مزيد من الضحايا الجدد يحملون خيبات على خيباتهم وأنماط حديثة من المرارة والشقاء والقهر الاجتماعي الظاهر والخفي المنذر بزيادة طبقات مجتمع مغلول، يعيش تحت الحصار، مجرد من أسلحة الوعي والتفكير السليم الذي يُمَكن صاحبه من التفريق بيسر بين السراب الذي يخدع والماء الذي يخصب، طبقات جاهزة بحكم ضىالة تكوينها للتوظيف السهل الرخيص وجاهزة أن تكون وقودا سريع الاشتعال في كل عمل يهدف اصحابه لما يؤدي إلى الانهيار النفسي والحضاري لمجتمع بكامله.
إن النهوض الجماعي بالأمة لابد أن يبدأ بطبقاتها المسحوقة وعلامات ذلك في بلادنا مرتبطة بما أنجز من خطوات في القضاء على الرق ومخلفاته الجاثمة على قواعد واسعة من شعبنا وتشكل مأساتها عتمة غور تخلفنا الاجتماعي، لكنها في الوقت نفسه تشكل الأمل الفعلي في التغيير، ومن فضاءاتها الخصبة ينتظر أن يأتي الضوء وتأتي بشائر التحول بعد أن تتوفر الظروف الموضوعية في أن يحصل الدمج الحار المتوهج لقوة الوعي وحسن التكوين المعرفي مع خصوبة الحياة في طبقات سريعة النفير شديدة الظمأ للعب دورها الوطني المغيب تحت رماد الظلم التاريخي والغبن الاجتماعي المتواصل.