أمضيت تلك الليلة مع خالي وكانت أول ليلة أنام فيها بعمق منذ مغادرتي لمخيمات تيندوف قبل أسبوعين إلى درجة أني بعد صلاة الصبح عدت إلى الفراش وتابعت النوم ولم أستيقظ إلا بعد عودة الخال من عمله في الزوال ، وفي المساء خرج معي للبحث وسيلة نقل متجهة إلى نواكشوط بعد أن أقنعته أني لن أستطيع تلبية طلبه بالجلوس معه لأيام كي أستريح ، وفي المحطة أخبرنا الناقلون بأنه لا يمكننا أيجاد سيارة نقل صغيرة إلا غدا صباحا وأنه لا يوجد سوى شاحنة كبير من مرسيدس 1924 محملة بالتمور وأشخاص قليلون ستنطلق بعد قليل فقررت السفر فيها ، وأتذكر أن تذكرة الركوب فيها كانت 600 أوقية وأنا مازال معي راتبي كاملا لمدة 12سنة والبالغ 6000 أوقية ، لذلك سددت عن أحد الركاب قال بأنه محتاج ،وقد تعرفت عليه بعد ذلك يمنهن التسول في شوارع نواكشوط فعرفت أنه كان عائدا من إجازة عمل ولم يكن يعرف أن محصوله في اليوم الواحد من التسول أكثر من راتبي لمدة اثنتا عشر سنة وإلا لما كان قبل أن أسدد عنه تذكرة يكفيه الوقوف دقائق عند الإشارة الحمراء كي يجمع ثمنها .
انطلقت بنا الشاحنة قبل صلاة المغرب بقليل و منذ تلك اللحظة لم يعد أمامي من أمر أفكر فيه سوي الطريقة التي سأهتدي بها على مكان العائلة إذ لا فكرة لدي عنه سوى أنني أيام كنت في ليبيا علمت أنهم سكنوا في مقاطعة الميناء التي تشكلت بعدي في مكان تركته يوم رحيلي لا يوجد فيه من المساكن المعروفة سوى دار واحدة كان بعض الاوروبيين يربي فيها الخنازير فاشتهرت بدار الخنازير ، لذلك استبعدت البحث عنهم دون دليل وقررت أن أذهب أولا إلى دار عمتي وعمي في مقاطعة تيارت والتي كنت أعرف مكانه جيدا حيث كانت هي مقر سكني أيام الدراسة .
حين دخلنا مدينة نواكشوط في الصباح الباكر ورأيت الامتداد الرهيب للمدينة ونزلت أول دفعة من الركاب في دار السلام عرفت بأنني سأتوه لأن ذاكرتي مازالت محتفظة بأن آخر نقطة من المدينة في اتجاه الشمال هي مقاطعة تيارت التي هي مقصدي فإذا بي أعرف أنها مازالت أمامي ، لذلك بقيت أراقب أحد الركاب سمعته يقول للسائق بأنه سينزل في نفس المكان الذي أقصده ، ولم ينزل ذلك الشخص حتى كنت معه على الأرض وأتبعه نحو الشارع العام .
يتواصل .......