حظي عصر الدولة المملوكية في مصر والشام، باهتمام الباحثين؛ لزخم مادة المصادر وتنوعها، ولتشابك أحداثه وكثرة الأطراف المشاركة في صناعتها، سواء من داخل الدولة أو خارجها. وهناك رواد كتبوا باللغة العربية عن هذه الدولة والأحداث المعاصرة لها، ولكنها غالبا كانت كتابات مسحية تمر سريعا بتلك الأحداث؛ لأنها رائدة، فبدت الحاجة إلى تغطية أطول مدة زمنية في كتاب واحد. ومن طبيعة التأليف والبحث، أن تأتي الدراسات اللاحقة لتركز على نقاط محددة، محصورة في نطاق زمني أو موضوعي ضيق. وهذا ما قام به الدكتور تركي بن فهد آل سعود في كتابه "نشأة دولة المماليك"، الذي صدر قبل أيام عن دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية في القاهرة.
ينتهج الدكتور تركي في كتابه مبدأ تقييم مصادر الروايات المسجلة في الكتب، ويبني نتائجه وأطروحته على روايات المعاصرين، فإن استعان برواية متأخرة لمصدر معلوم أو مجهول، فلتوضيح ما ورد في الروايات المعاصرة، أو لمعرفة الروايات السائدة والمشهورة بعد مضي زمن على وقوع الحدث، ما يمثل في غالب الأحيان الرواية الرسمية للطرف المنتصر في الصراع. لذلك قد يجد القارئ الكريم قصورا في تتبع آراء الباحثين المعاصرين، وهذا طبيعي إن وضع في ذهنه أن هذا البحث يريد أن يقدم قراءة جديدة لروايات المصادر.
يبحث هذا الكتاب الفترة من سنة 648هـ/ 1250م، التي قتل فيها آخر سلاطين الأيوبيين الملك المعظم توران شاه، وملابسات ذلك منذ آخر أيام أبيه، التي انتهى فيها الصراع بين أجنحة الدولة الجديدة حول هويتها ونظام الحكم فيها. وينقسم إلى أربعة فصول:
الفصل الأول: يتناول شخصية آخر سلطان أيوبي في مصر، الملك المعظم توران شاه، مقيما المصادر التي اعتمد عليها المؤرخون اللاحقون. ويناقش علاقة تلك المصادر بالسلطان.
الفصل الثاني: وهو تتمة لفهم أحداث الفصل الأول، ويناقش الوصية التي تركها الملك الصالح نجم الدين أيوب لابنه توران شاه، وعلاقة تلك الوصية بتطور الأحداث التي أدت إلى مقتل الأخير.
الفصل الثالث: يناقش بدايات نشأة دولة المماليك، والصراع الذي نشب بين أجنحة المماليك المختلفة ليفرض كل منهم المشروع الذي يتصوره لهذه الدولة الناشئة، ثم حسم ذلك الصراع لمصلحة أحدها مؤقتا.
الفصل الرابع: يناقش العلاقة بين شجر الدر والملك المعز أيبك، وسبب مقتله، وما أدى إليه الصراع في هذه المرحلة من عودة الجناح الأول بمشروعه، الذي فُرض منذ مقتل الملك المظفر قطز، وتولي الملك الظاهر بيبرس.