"إذا ابتليتم فتوارو" هكذا تعلمنا في صبانا ونحن نؤم الكتاتيب، لكننا اليوم أمام مشهد مريب وغريب عن قيمنا العريقة عراقة الدين، إننا اليوم نراقب مشهدا قد لا نقول إنه مخز خشية من الوقوع في أعراض الغير، لكنه بالتأكيد غير مشرف.
فشلت الحكومة والحزب في تمرير التعديلات الدستورية وهو الدور المنوط بهما سياسة وعرفا، فطفقوا يكيلون التهم للغير، ولسان حالهم يصرخ " إذا لم تستح فافعل ما شئت".
صوت الشيوخ ب"لا" حين أريد منهم أن يصوتوا ب"نعم"، ومهما كانت العلة نشازا أو خيانة أو رد اعتبار، فإنها لا تغير من المسؤولية شيئا، فالمسؤولية محددة سلفا، والأدوار معلومة مسبقا، والنجاح أو الفشل يحسب لِ أو على المسؤول، فقط لا غير.
إن الحكومة والحزب وحدهما هما المسؤولان مسؤولية كاملة ونهائية عن إقناع الشيوخ بتمرير التعديلات الدستورية، والإقناع يكون بالحجة والمنطق لا بالتعجرف والتهديد والتلويح بحل الغرف البرلمانية، وهو ما دفع بغالبية الشيوخ بترجيح كفة "لا" حين وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما أن يمرروا التعديلات ويوقعوا علنا على خوفهم من تهديدات ثنائي الحزب الحاكم والحكومة واختيارهم لمناصبهم على حساب كرامتهم، أو أن يصوتوا ضد قناعاتهم ب" لا " ليثبتوا للثنائي وللرأي العام ولأنفسهم أنهم سلطة ما زالت تتمتع بقوتها الدستورية، كرامتها فوق كل اعتبار.
إذا فشل ثنائي الحكومة والحزب في المهمة التي أوكلت إليهما، فاختارا أن يوزعا فشلهما على خصومهما ليخرجا نظيفين من أدران الفشل، وطبعا ورغم سرية التصويت سيكون رئيس مجلس الشيوخ شماعة مؤاتية لتعليق فشل الثنائي اللطيف.
استجمع الرجلان شجاعة فقداها في أتون أهم معركة لرئيس الجمهورية، وقررا أن يستجيبا لنداء الذات، ولم يشغلا وقتهما الثمين في كيفية الخروج من المأزق الذي وضعا فيه رئيس الجمهورية بل كان الشغل الشاغل حياكة ثوب مؤامرة بقياس رئيس مجلس الشيوخ الشيخ محسن ولد الحاج، الذي يقتصر دوره في التصويت على رئاسة الجلسة، ولا يملك سوى صوت واحد من أصل 56 صوتا.
أما الأدهى والأمر من محاولة توجيه بوصلة الفشل صوب الخصوم فقد كان توجيه تهمة التجسس لرئيس الجمهورية نفسه، إذ أقدمت مواقع معروفة التوجه والتبعية على ترويج شائعة مفادها أن الرئيس زرع كاميرات تجسس داخل قاعة التصويت، وهي تهمة خطيرة لرمز دولة ديمقراطية منتخب، اختار التصويت على مشروع تعديله الدستوري بدل فرضه، واختار التصويت السري بدل العلني.
فهل أنتج فشل الثنائي في تمرير الشيوخ عداء لرئيس الجمهورية نفسه!!؟
سيدي محمد ولد أجودن