عكس إسهاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز؛ خلال مؤتمره الصحفي، في الحديث عن الجيش وثناءه عليه كلما سنحت الفرصة، وجعله نقطة البدء ومسك الختام وزُبدة المنتصف، حجم ما يدور في الكواليس من وجود خلاف "صامت" بين الرئيس وبعض قادة المؤسسة العسكرية، بدأت ملامحه تطفو على السطح، حسب مراقبين.
لم يستوعب اغلب المتابعين تلك "اللفتة" ليس لأنها سابقة من نوعها في خرجة إعلامية أريد لها أن تكون رداً على فيضان الشيوخ، وتشخيصاً للحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة التي يعيشها البلد، بل لكون فخامة الرئيس بالغ في كيل المديح والإطراء للجيش ودافع عن ما يسميه البعض عسكرة النظام أو حكم العسكر، وكأن الرجل بدأ في سحب البساط من تحت مدنييه، ما يجعلنا نتسائل عن هل بدأت الثورة تأكل أبناءها..!
ويذهب بعض المراقبين، إلى أنه وعلى الرغم مما عرفته المؤسسة العسكرية خلال الأيام الأخيرة من "إسهال" في توزيع الرتب على بعض الضباط والقادة، وارتفاع تعداد حاملي رتب (جنرال، وفريق) إلى أرقام مذهلة بالمقارنة مع الوعاء الحقيقي لتعداد الجيش، وهي حالة "غير صحية" تعيشها المؤسسة العسكرية سيكون لها ما بعدها حسب رأيهم، إلا أنها خطوة تشي بتمسك رئيس الجمهورية برفقاء دربه واعترافه لهم بالجميل بل وامتنانه لهم أيضاً.
رسائل الرحيل
غابت هموم المواطنين، فيما يتعلق بأسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، تماماً كما رفض الرجل الالتزام بمواعيد الانتهاء من مشاريع تنموية كان الجميع ينتظر حسمها، فحضر فرض أجندة المادة 38 كحل ملزم لا يريد الرئيس التخلي عنه ولو كان في حديثه نوعاً من التعالي على أعلى هيئة دستورية في البلد (المجلس الدستوري).
استطاع ولد عبد العزيز رغم ارتباكه في البداية، تجاهل أزمة الشيوخ التي قصمت ظهر حكومته وأغلبيته السياسية، وحاول بذكاء أن لا يحملهما نكسة رفض التعديلات كنوع من الحفاظ على داعميه في إشارة ضمنية إلى أن "طيفه" لن يبتعد كثيراً عن المشهد ولو غادر القصر الرمادي إلى حين..
على نفس المنوال غازل ولد عبد العزيز من شاركوه الحوار الأخير، واصفا إياهم بالمسؤولية ومن يريدون المصالح العليا للبلد، بدل من هم في الجانب الآخر ممن يسعون لركوب الأمواج بتصدير الأزمات ومحاولة إسقاطها على موريتانيا بتأثيرات مباشرة من جهات دولية لم يسمها بالاسم.
مفارقات..!
مما لفت انتباه الملاحظين، هجوم الرئيس على الحركات السياسية واتهامها بإفساد البلد منذ أول انقلاب عسكري تشهده البلاد سنة 1978 رغم كون جميع تلك الأنظمة التي تعاقبت على حكم موريتانيا تحسب على الجيش.
وخلص الرئيس إلى أنهم وضعوا نصب أعينهم بعد انقلاب 2005 إبعاد تلك الحركات من على واجهة تسيير الشأن العام، غير أن المفارقة العجيبة هي أن ولد عبد العزيز ومنذ ذلك الحين لم يستعن أو يكاد، إلا بأسماء عرفت ضمن قيادات قومية أو حركات، على غرار: رئيس الحزب الحاكم الأستاذ سيدي محمد ولد محم المحسوب على (الإخوان)، مولاي ولد محمد لغظف الأمين العام لرئاسة الجمهورية المقرب من (البعثيين)، وزير الدفاع جالو ممادو باتيا المحسوب على حركة (الكادحين)، الوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين قيادي في (التيار الناصري).. والقائمة تطول.
وغابت الضيافة..
رغم الحشود السياسية التي غصت بها قاعة المؤتمر الصحفي برئاسة الجمهوري، والتي ضمت العشرات من رؤساء أحزاب الأغلبية وممثلي الكتل والأحزاب المشاركة في الحوار، بالإضافة طبعاً إلى الطواقم الصحفية، فقد غابت الضيافة ولم تُكرم وفادة الحضور رغم توافدهم منذ ساعات المساء الأولى في حالة شاذة عن تقاليد المجتمع الموريتاني..
وقد تندر بعض المراقبين، بعدما رصدت كاميرات التلفزيون حالات متكررة من النوم والغثيان على الهواء، إلا أن الجماعة لم تحسن ضيافتها، وهو ما فسروه بوجود "ربًة البيت" ضمن صفوف الحاضرين، أي أن مجال الضيافة ليس متاحاً حتى إشعار آخر.
السفير