جأت الرواية السابعة للكاتبة الروائيةاللبنانية “هدي عيد” تحت عنوان “سلطان وبغايا” رحلة قصصيّة جديدة، مغايرة لما سبقها من حيث الأسلوب والرسالة ونسج الحبكة. من العنوان يستشفّ القارئ المناخ العام السائد؛ ثمّة هرم يتدرّج في أسفله من “بغايا”، أي محكومين/مأمورين، ليرتقي الى قمّة يتربّع عليها “سلطان”، بطل القصّة الحاكم/الآمر.
هذه الثنائيّة التي تستعرض وضعًا اجتماعيًّا قائمًا منذ الأزل على تفاوت حادّ بين أحوال النّاس
– كل ذالك دفعنا الي التغلغل في اعماق الفكري الانثوي المبدع في حوارنا هذا معها بداية نتسأل :-
ـ من هي الروائية هدى عيد.؟
ـ هدى عيد هي إحدى الروائيات اللبنانيات العربيات المعاصرات، واحدة من كثيرات آمنّ أن الكتابة هي إحدى وسائل التواصل البشري الأسهل والأمتع والأكثر قدرة على التأثير.
حاولتْ وتحاول عبر فعل الكتابة مدّ جسور تواصل مع قارئ لبناني/ عربي مفترض ، لتقول “كلمة “ً ما لهذا العالم، وهي أستاذة أدب و”قارئة” ناقدة، في جعبتها سبع روايات وقصة للأحداث، والكثير من المقالات النقدية المنشورة في الصحف اللبنانية الورقية والألكترونية، ومحاضرة في العديد من الندوات الأدبية.
ـ ما هي أهمّ أعمال الروائية هدى عيد؟
ـ بالنسبة لي كلّ أعمالي مهمة لأنها ساهمت بطريقة، أو بأخرى في بلورة وعيي الروائي، وفي تحقيق تماسك أعلى لعالم الرواية التي أبني ، لكن رواية نوّارة أحدثت أثراً طيباً لدى كل من قرأها، أما روايتي الأخيرة ” سلطان وبغايا” فهي الرواية الأكثر تكاملاً ونضوجاً على الصعيدين الفني والفكريّ.
ـ أعرف أنك تكتبين في مجالات عديدة ما هو المجال الأقرب لوجدان هدى عيد؟
ـ صحيح أنا أكتب الرواية، وأكتب المقالة الصحفية، وأحياناً أكتب بعض القصائد النثرية والومضات الشعرية، إضافة إلى كتابتي دراسات نقدية لبعض الآثار الروائية والدواوين الشعرية، لكن الميدان الرحيب، الذي يجيد اجتذابي إلى أحضانه أكثر من سواه، هو الكتابة الروائية، فيها مكمن نبضي الحقيقي.
ـ في الفترة الأخيرة تطورت حركة الإبداع النسائي في لبنان، من من الأسماء التي كان لها الأثر الأكبر في حياة هدى عيد للكتابة؟
ـ صحيح لقد عرف لبنان نهضة على صعيد الكتابة النسائية فيه، وبرزت أسماء كثيرات هن مدعاة احترام وتقدير نذكر منهن اميلي نصرالله ،وحنان الشيخ، وجنى الحسن وسواهن، لكني سأظلم نفسي إن قلت أني تأثرت بهذه الأسماء أو بسواها من الكاتبات الإناث، لأن الكتابة، أستاذي الفاضل، فعل إنساني يتجاوز الهوية الذكورية والنسوية، إنها الفعل الوحيد ،بالنسبة لي، العابر للأجناس ، وأنا قارئة نهمة منذ زمن طويل ، ولربما تأثرت بالكتابات التي ولّدها رجال كثر، أكثر مما انطبع وجداني بكتابات نسائية، سواء منها الكتابات الذكورية العالمية أو العربية والمحلية، فأنا لم أقرأ محفوظ وتوفيق الحكيم والسباعي و إحسان عبد القدوس، ولم أقرأ مكاوي سعيد وبهاء طاهر وزيدان، ولم أعشق موسم الهجرة إلى الشمال فقط، وإنما قرأت وبشغف عال كل هؤلاء وسواهم، واستمتعت بروايات أرنسغت همنغواي، وكويلو، وغوغول، وتولستوي، وجبران ومعلوف، وأسماء لا مكان لتعدادها ههنا، لذلك تبدو الكتابة النسائية مجرد نوع من أنواع هذه الفاكهة اللذيذة التي تمتعت بمذاقاتها خلال أعوام مساهمة في صنع ذائقتي الأدبية، وفي صقل موهبتي.
ـ غالباً تهتم المبدعات في الوطن العربي بقضية المرأة ، هل عبرت هدى عيد عن المرأة في أعمالها؟ مع ذكر بعض المشاهد من أعمالك؟ وبعض الشخصيات من رواياتك.
ـ لا يمكن أن تكون كاتباً/أنثى، دون أن تتناول هذه الأنثى في كتاباتك، وهذا حال رواياتي ، فأنا في روايتي الثانية كانت بطلتي ( حلا) ، نموذج المرأة الشابة، التي تزوجت ،ككثيرات من بنات مجتمعاتنا، تحت وطأة الظروف الاجتماعية القاسية، وعاشت حياة مزدوجة خالف فيها مشهدها داخلَها، وانتهت الرواية إلى التأكيد على اختيارها درب العلم وإثبات الذات، ورفض الاستمرار في علاقة الزواج المزيفة لمجرد إرضاء رغبة مجتمع أناني يبحث عن المظاهر قبل كل شيء.
ـ أما في روايتي نوارة، فقد برز كوكتيلٌ من نماذج النساء المعاصرات، سواء منهن المتعلمة المستقلة الفاعلة في المجتمع كنوارة، أو المستكينة التي تقبع ظلاً لزوجها كنموذج الجدة، الغارقة في صمتها وخضوعها إلى رغباته ، الأمر الذي يؤدي إلى تسربها عاطفياً منه ، وإلى انقلابها في النهاية عليه، انتهاء إلى نموذج المراهقة الشابة الطالبة الجامعية التي تتطلع إلى تغيير واقع المرأة من خلال تحدي نموذج الأم الضائعة الهوية والدائمة الاضطراب.
ـ ما علاقتك بحركة النقد الأدبي في لبنان أو في الوطن العربي؟ وهل حركة النقد الأدبي الآن لها تأثير على تناول الحركة الإبداعية في لبنان؟
ـ أعتقد أن لا توازن حقيقياً بعد، بين حركة الإنتاج الأدبي في لبنان وفي العالم العربي، وبين حركة النقد الموضوعي المنطلق والمستند إلى معايير فنية سليمة.
هناك مشكلة في هذا العالم ، وكلنا يعرفها، تكمن في اختلال الموازيين السياسية والاجتماعية والقيمية، ومجتمعات هذا حالها، لا بد أن يتسرب إلى أدبها وفنها الكثير من طقوس هذا الاختلال، هذا لا يعني أن النقد غائب ، النقد الموضوعي موجود ويطال الكثير من الأعمال الروائية والشعرية، لكن بالمقابل هناك الكثير من الأعمال الفنية الجميلة التي لم تتح لها بعد فرصة القراءة والتقييم، لأن أصحابها لا يملكون علاقات مع وسائل الإعلام المتنوعة، ولا يسعون إليها إما تعففاً أو انشغالاً، ودور النشر لا تساهم في الإضاءة على الآثار القيمة إضافة إلى الصحف أو المجلات الموجهة ، كلها عوائق تقوم حائلاً حقيقياً أمام بعض الإبداعات المهمة، لصالح بعض الأعمال التي ترتفع أسهمها، وينالك الإحباط وأنت تقرأها.
ـ دائماً يتأثر الكاتب بالأحداث السياسية في الوطن ، ما مدى تأثير ذلك على إبداعك ، وهل تناولت قضايا الوطن في أعمالك الأدبية؟مشاهد من أعمالك الروائية.
ـ الإنسان ابن بيئته، يتأثر بمحيطه وينفعل بالأحداث التي تدور في نطاقه، نحن جيل تربى على الحرب.
أنا شخصياً لم أعايش الحرب الأهلية بشكلها المباشر، انتقلت إليَّ آثارها ، وتأثرت بنتائجها وبتداعياتها على أرض الواقع، لكن حرب تموز على لبنان، وحرب العراق وتداعي الأنظمة العربية المجاورة كتونس ليبيا وسوريا والثورة المصرية كلها أحداث هزّت وجداني عميقاً كسواي من المواطنين، وأيام كثيرة قضيناها أمام شاشات التلفزة نعاين أخبار القصف الجوي المركز على جنوبنا اللبناني ، أو على منطقة الضاحية الجنوبية، أو نتلقى أفواج المهجرين الملتاعين الهاربين من القصف، أو نعاين هياج الجماهير ومطالباتها…كل هذه الأحداث تمخضت عنها روايتي ” ركام”، التي أتعبتني كتابتها وولادتها، لكنها شكلت أثراً روائياً قيماً من خلال بطلها المناضل عبد الله، وعبر الشخصيات الروائية التي دارت في فلكه لا سيما شخصية أخته الطبيبة منار، وهناك أكثر من رسالة ماجستير جامعية تناولتها بالدراسة من جوانب مختلفة.
إضافة إلى روايتي الأخيرة ” سلطان وبغايا” التي عكست نظرة بانورامية إلى جوانب الفساد في المجتمع اللبناني، وفي بعض المجتمعات العربية المجاورة ، وتحول بطلها سلطان باشا زعتر إلى نموذج كاريكاتوري لما يمكن أن يبلغه الإنسان من عتوٍ وتسلط، متى تفلت الإنسان من الضوابط الأخلاقية والقيمية ليتحول إلى عبادة المال، هذه العدوى التي ستنتقل في نهاية الرواية إلى زوجته الشابة التي تصغره بستين عاما، بسبب الفساد الذي عمّ وانتشر بعد هدوء الحرب العلنية المباشرة، ليصبح حرباً حقيقية في النفوس وفي العقول وفي السلوكيات.
ـ تشهد بيروت حراكاً ثقافياً في الفترة الأخيرة بجانب القاهرة، هل تتوقعين عودة الريادة اللبنانية في المجال الثقافي مرة أخرى؟
ج/ مؤكد أنَّ هناك ما يحدث بالصدفة في الحياة، لكن الناموس الأول فيها قائم على الكد والاجتهاد، وأنا أجد أن الاستقرار الأمني ، وارتفاع نسبة التعليم عند الذكور وعند الإناث، إضافة إلى وعي أهمية الفن ودوره في التوعية والتنوير، كلها عوامل ستساهم في تنمية وتحفيز الحركة الثقافية الناهضة في لبنان، وفي بعض الأقطار العربية لناحية الاهتمام ، لكن هذا لا ينفي أننا نتطلع دائما إلى مصر، لكونها خزاناً مهماً، ومرجعاً تاريخياً للتجربة الأدبية الفنية ” رواية زينب”، وللإبداع لا يمكن إلا أن يكون له حسابه في منطقتنا العربية.
ـ ما هو الجديد لديك تقدميه للقارئ العربي؟
ـ أعمل حالياً على كتاب نقدي منهجي، سيصدر قريباً، وأكتب رواية جديدة أتمنى أن أحتفي بولادتها في معرض الكتاب القادم في بيروت.
ـ ما هي الرسالة التي تود الروائية هدى عيد تقديمها للكتاب الشباب سواء في مجال الرواية أو القصة القصيرة؟
ـ أنا واحدة من الناس المتفائلين بالحياة، والذين يؤمنون بناموس التغيير وضرروته، ولذلك تبرز أهمية الشباب الذي يقبل على الكتابة هذه الأيام، وبعضه يمتلك إمكانيات حقيقية، لكن نصيحتي الأهم هي ضرورة العناية باللغة، فالثوب ،مهما بدا جميلا براقاً ومعاصراً، لن يكتمل جماله إذا كانت قماشته رخيصة رديئة النسيج، فليتعنوا بثقافتهم وبلغتهم، وليؤمنوا دائماً أن في الكتابة شيئاً من رسولية ، لذا عليهم أن يتحلوا بكثير من المصداقية والثقافة، ماداموا قد امتلكوا جرأة القول والجهر والإعلان عبر الفعل المكتوب.