في مصر: مين بيضحك على مين؟ | صحيفة السفير

في مصر: مين بيضحك على مين؟

ثلاثاء, 18/04/2017 - 12:46

عبارة ليست جديدة وسؤال أعيد طرحه عدة مرات، لعل أبرزها بالنسبة لي يتمثل في برنامج درامي كان يذاع على محطة البرنامج العام المصرية باسم «مين بيضحك على مين»، تأليف فؤاد فواز وإخراج يوسف حجازي. وبالمصادفة أذيعت في عام 1991 حلقة بعنوان شديد التعبير عن الواقع الحالي في مصر وهو: «تعال معانا قرية الأحلام عشان تشتري زينا كلام يا سلام».

وفي التفاصيل يتعرض البطل للخداع من قبل شركة تمليك عقارات في الساحل الشمالي، وفي حين يتصور البطل أن الشركة تطالبهم بالحضور بعد سنوات من دفع المقدم من أجل استلام الوحدة المخصصة لهم، تتصور الزوجة من حديثه أن الشركة سوف تقدم لهم العتبة الخضراء.
تشابه لا يمكن أن يغيب عن اللحظة ونحن نتعرض لبيع كلام مستمر ونشتري العتبة الخضراء مرات، بداية من القبول بمرشح الضرورة القادم بدون برنامج، بعد حديث طويل عن البرنامج ولجنة إعداده المفترضة، مرورا بالكثير من التفاصيل.
ومثل أشياء كثيرة ظهر أن البرنامج وهم واللجنة المشكلة لوضعه، رغم الاسماء الكبرى التي أعلن عن عضويتها، مجرد كلام. ورغم ما ظهر مبكرا من أن ما يقدم لا يختلف عن وعد العتبة الخضراء والكلام المرسل، تم تقديم الصورة الكلية على أن «بكرة» نشوف مصر، تلك المفترض أن تكون أفضل وأعظم وأقوى وأغنى وأكثر أمنا وأمانا، وعندما حضر «بكرة» الذي صور لنا بوصفه قريبا، تم إمداده إلى «بكرة» آخر مفتوح بلا حدود. وأصبحت مصر التي نراها قريبة من قرية الأحلام الوهمية التي لا تتواجد إلا في وعود الشركة وهي تجمع الأموال وتتكسب منها وتستمر في محاولات التكسب، رغم معرفتها أن ما يباع هو الوهم.
أما ما يضيف للعمل قيمة أخرى مهمة في الأحداث، فيتمثل في أن البطل عندما يتوجه لعنوان القرية المفترض، يتم القبض عليه بوصفه تاجر مخدرات كبيرا، أما زوجته فيتم إعلان أنها عشيقة التاجر الخطير. تشابهات لا يمكن إغفالها
والواقع يشهد غياب الأمن رغم خطاب التأمين والقمع وحالة الطوارئ.
وعندما يتم اكتشاف الخطأ وكيف أن ما حدث خديعة تستوجب المحاسبة، ويرى الضابط أن الخطأ يخصهم، لأن شخصا متعلما يفترض ألا يسقط في خطأ شراء الوهم. ويؤكد الضابط أن المطلوب هو «الضمير» لأنه لا توجد آلية لمحاسبة الشركة. مرة أخرى ما أشبه الليلة بالبارحة ونحن أقرب ما نكون لخطاب لجنة الضمير، وتقديم أخطاء إدارة الدولة بوصفها  مشكلة ضمير التجار، وأزمة الدولار وانخفاض قيمة العملة (الجنيه) أمام الدولار بوصفها أزمة اكتناز الشعب. وأزمة القمامة بوصفها عدم قيام المواطن بالتخلص من قمامته، كما تروج بعض وسائل الإعلام، دون محاسبة الدولة التي تجمع أموالا على خدمة مفترضة هي جمع القمامة. دائرة ممتدة يفترض أن تخرج منها السلطة، وكما يقول المثل الشعبي «مثل الشعرة من العجين». أما المواطن فمطالب بقبول القمح المشكوك في صلاحيته بسعة الصدر نفسها التي يقبل بها الفول المحتفظ بحشراته ميتة لأنها مطابقة للمواصفات، أما إن كانت حية أو من نوعية الزومبي ويمكن أن تعود للحياة فتلك قصة أخرى. ولعل السؤال لماذا تطرح تلك الفكرة؟ ورغم أن الإجابة يمكن أن تكون عامة، ونحن نتعرض لبيع كلام مستمر من بئر لا ينضب ونهر لا يجف ولا تقام عليه سدود، فإن حدثا قريبا أعادني لدراما البرنامج العام المميزة. تمثل الحدث في تعليق جاء على لسان محافظة البحيرة المهندسة نادية عبده في حديثها مع بائع فاكهة أثناء جولة في أحد الأسواق بالمحافظة تمت تغطيتها في 14 أبريل 2017. وفي الحديث تعترض المحافظة على سعر بيع الموز وتطالب بتخفيضها وعندما يناقشها البائع تقول بحدة: «أنت هتستعبطني.. خلي الناس تأكل». فعليا لم أعرف من الذي «يستعبط» أو يضحك على الآخر هنا. فهل لا يعرف النظام، والمحافظة بالطبع، حقيقة الوضع الاقتصادي القائم وما يتعلق بالشكوى المستمرة من ارتفاع الأسعار بدرجات تتجاوز منطق الأشياء، في ظل غياب الرقابة والتنظيم، وفي ظل غياب الدولة عن القيام بأدوارها الفعلية وانسحابها من تقديم الخدمات وضبط الأسواق، مقابل التحول لجهة تحصيل أموال وتسديد ديون وتكاليف على حساب المواطن؟ أم أنها مثل النظام في عمومه على علم بكل المشكلات القائمة والمعاناة المتزايدة والأسعار التي ترتفع بدون ضوابط وتتفاوت من مكان لآخر دون محاسبة، ولكنها تحاول إرضاء اللحظة عبر خطاب تحميل التاجر المسؤولية وتبرئة السلطة؟ وهل يفترض أن يقتنع المواطن حقا بخطاب «انت بتستعبطني» المرتفع النبرة وهو يعيش تلك الأوضاع لشهور ممتدة لم تغير منها وعود المؤتمر الاقتصادي أو قناة السويس الجديدة أو بداية العام أو الشهور الستة التي قاربت على الانتهاء؟
وهل يفترض أن يقتنع المواطن أن أزمته في أيدي مواطن آخر هو هنا بائع الفاكهة، في حين انه يعاني من ارتفاع أسعار المواصلات وتكلفة العلاج، والكهرباء وغيرها من الخدمات التي تقدمها الدولة، والتي تزيد بدورها من تكلفة كل الأشياء الأخرى، ناهيك عن تراجع الدعم وتراجع مستوى الخدمات
والحاجة لإنفاق مواز للحصول على خدمات يفترض أن تقدمها الدولة أو تقدمها في وضع أفضل؟
وهل يفترض أن يقبل المواطن أن كل مشاكله نتاج لغياب الضمير وجشع التجار فقط؟ وهي الفكرة التي حاول البعض الترويج لها من خلال شعار براق هو الشعب يأمر مطالبا التجار بخفض بعض الأسعار، وكأن تلك هي القضية الحقيقية أو الجوهرية، أو التي ستحل أزمة الشعب حقا، وهو ما لم يحدث، رغم تنفيذ الفكرة وقتها؟ والسؤال هل يمكن أن يأمر الشعب حقا في قضايا مهمة، مثل الحق في حياة أفضل واحترام كرامته، وأن يتم إعمال القانون على الجميع، وأن يكون الموظف العام مجرد موظف عام؟ إشارة ضرورية لموظف عام لا يفترض أن يقول عبارات رنانة لا تحمل معنى حقيقيا مثل تصريحات مساعد وزير الصحة لطب الطوارئ، التي أكد فيها أن الفسيخ زي الإرهاب بيموتوا» دون أن يحدد إن كان هذا يفرض حالة الطوارئ على من يتعرض للتسمم أو على من يأكل الفسيخ؟ أو إن كانت المشكلة في المواطن الذي يعد ضحية؟ أم في الواقع الذي لا يحاسب الفساد القائم أو لا يفرض الرقابة الكافية أو يتساهل في ما يتعلق بصحة المواطنين؟ وهل يمكن أن نتوسع عن الفسيخ ونضم الفساد والفقر والظلم وغياب العدالة والحرية، بوصفها تميت ماديا ومعنويا وتقدم أحيانا كثيرة محفزا للإرهاب ووقود لاشتعاله أو تضخمه؟ لا أتصور أن المسؤول توقف عند عمق التشبيه وما يمكن أن يثيره من تساؤلات، مثله مثل التصريحات التي تحاول تجميل القبح وتمرير المعاناة بخطاب يبدو دينيا في ظاهره مثيرا للتساؤلات في عمقه، مثل مقولة وزيرة التعاون الدولي التي أكدت فيها في يناير 2017 أنها تعتبر أن «زيادة فواتير الكهرباء زي منظومة الزكاة من أجل دعم المصريين» دون أن توضح إن كان هناك إدراك لفكرة أن خطاب خلط الدين بالسياسة كان في صلب ما يفترض أنه انتقاد مرحلة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي. ولكن لأن تلك الخطابات تبدو براقة بشكل ما في الأحاديث، وترفع اسهم المتحدث لدى السلطة أو وسائل الإعلام على ما يبدو، فإنها لا تتوقف، حتى أن وزير الصحة اعتبر في تصريحات له خلال شهر أبريل 2017 أن رفع سعر كيس الدم يخدم المريض الفقير، أو بكلماته «يضمن وصول الدعم إلى مستحقيه من المستشفيات الحكومية والمريض البسيط» دون أن يقول لنا كم مريضا يستطيع فعليا الحصول على خدمات المستشفيات الحكومية، وما هي التكاليف التي يفترض أن يدفعها بما فيها شراء موارد لا تتوافر في تلك المستشفيات؟ وكيف أن رفع السعر هو زيادة تكلفة على المرضى بشكل غير مباشر، وتراجع آخر من الدولة عن أدوار كان يفترض أن تقوم بها، خاصة في الظروف التي تمر بها مصر، وما تعانيه من مشكلات اقتصادية تتزايد حدتها وليس العكس ويدفع ثمنها بالأساس المواطن المطحون، الذي يعاني من انخفاض قيمة ما يحصل عليه مقابل ارتفاع أسعار وتكلفة كل ما يحيط به وكل ما تتطلبة الحياة.
أمثلة قليلة من الواقع على هامش مقولة قد تراها المحافظة عابرة وقد يشيد بها البعض بوصف أن غضب المحافظة هو غاية المراد من المسؤول الذي يحصل على بعض الثناء العابر، دون أن تتغير الأشياء للأفضل. كلمات قليلة العدد تباع وتجدد عبواتها دوما، أما الثمن فيدفع  من حياة شعب ووطن، من حاضر ومستقبل، وما أقرب حديث في عمل درامي في 1991 للحظة، وما أقرب سجن اللحظة لسجن الماضي القريب، رغم الاختلافات ولسان الحال كما قال الساخر جلال عامر: ولايزال النيل يجري حتى أوقفه الكمين وسأله معاك حاجة تثبت أنك النيل؟ فقال: بص للظلم اللي ماليني»، ولكن يظل من المؤكد أن كل ليل يتبعه نهار مهما طال أمده وزاد ظلمه.

عبير ياسين/ كاتبة مصرية