الجزائر: الثقافة في موسم الأزمة | صحيفة السفير

الجزائر: الثقافة في موسم الأزمة

سبت, 22/04/2017 - 16:03

من سعيد خطيبي: يوم 18 نيسان/أبريل الماضي، تسلّم وزير الثّقافة الجزائري عزّ الدين ميهوبي (1959-)، جائزة «شخصية العام الثّقافية 2017»، عن مؤسسة «ملتقى المثقّفين المقدسي»، «عرفاناً لدعمه للثّقافة».
هذا التّكريم «المُفاجئ» يُثير كثيراً من التّساؤلات: ماذا قدّم الوزير عزالدّين ميهوبي للثّقافة، في الجزائر، وقد تراجعت ميزانية قطاعه بأكثر من 60٪، هذا العام (نتيجة تراجع عائدات المحروقات)؟ مما اضطره لإلغاء عدد كبير من التّظاهرات السّنوية، وخفض الدّعم في مجالات السّينما والمسرح والنّشر، مما أدخل البلد في نوع من الرّكود الثّقافي! 
إن ما يعيشه قطاع الثّقافة، في الجزائر، من إرتباك، غير مسبوق، وصعوبات في التّسيير، لا يمكن حصره فقط في الانخفاض الكبير في الميزانية العامّة، بل أيضاً لغياب نصوص قانونية وتنظيمية، تحمي الثّقافة والمثفقين من إرتدادات تراجع الوضع المالي في البلد. على طول أكثر من خمس عشرة سنة الماضية، راهن القائمون على الثّقافة في البلد، على «الاحتفالية» و»الاستعراضية»، بما يخدم الشّعارات السّياسية الرّسمية، وخطابات رئيس الجمهورية، أكثر مما عملوا على التّفكير في تأسيس تقاليد ثقافية تستمر في الزّمن.
مع بداية العام الحالي، رفعت وزارة الثّقافة الرّاية الحمراء، ألغيت تقريباً 52٪ من التّظاهرات الثّقافية، في البلد، كثير من المهرجانات، التي كانت تحرّك الحياة الثقافية، في مدن الجزائر الدّاخلية والولايات البعيدة، أُلغيت، بعض منها تحوّل من تظاهرة سنوية إلى مرّة كلّ سنتين، انخفص عدد الفعاليات من 186 مهرجاناً إلى 77، دعم السّينما أيضاً تراجع، بشكل حادّ، بعض الأفلام الرّوائية المطوّلة ما تزال في انتظار الإفراج عنها، من بينها أفلام أقرّت عام 2015، في إطار تظاهرة «قسنطينة، عاصمة الثّقافة العربية»، لم تصل بعد إلى قاعات السّينما، أضف إلى ذلك أن مهرجان المسرح السّنوي وجد نفسه بميزانية هزيلة، وفقد سمعته التي ميّزته في السّنوات العشر الماضية، وتقلّص دعم النشّر، فمغامرة إعادة إصدار مجلة «آمال» الأدبية، لم تتجاوز العدد صفر، والجزائر ما تزال البلد العربي الوحيد الذي لا يمتلك مجلة ثقافية واحدة، دون أن ننسى الاستياء الذي عبّر عليه بعض العاملين والنّاشطين في القطاع، مع تسجيل احتجاجات في المدرسة العلــــيا للفــنون الجملية وفي واحــــد من المسارح الجهوية، هكذا إذًا، وجدت الجزائر نفسها، هذا العام، في حالة من التّردي الثّقافي، أو ما يشبه «التّصحر» الفكري والإبداعي، مع عدم قدرة على التّفكير في نشاطات أو فعاليات، ذات قيمة، هذا الأمر دفع وزير الثّقافة عزالدين ميهوبي إلى التّفكير في إيجاد شركاء إقتصاديين، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. 
يُحسب للوزير أنه بذل جهداً في هذا المسعى، واقترح على رجال أعمال خواص دعم الثّقافة، والمساهمة بالمال لدفع العجلة قليلاً إلى الأمام، قدّم لهم تحفيزات لكن هؤلاء ما يزالون من حالة تردّد، بحكم أن القوانين التّنظيمية للشّأن الثّقافي لا تخدم أي شراكة مع القطاع الخاصّ، فقد عملت الجزائر، في السّنين الماضية ـ خصوصاً في حقبة الوزيرة السّابقة خليدة تومي، التي توّلت القطاع اثني عشر عاماً، ما بين 2002 و2014، على احتكار الثّقافة، خدمة للسّياسة الرّسمية، باعتبار الثّقافة واحدة من القنوات المهمّة لتمرير الآراء الأيديولوجية، وأرضية خصبة لإقناع النّاس بمزاجات السّلطة المرحلية، هذا ما يؤكّد عليه قانون الكتاب، الذي صادق عليه البرلمان، قبل عامين، حيث تضّمن بنوداً صريحة تمنع على النّاشرين أو الكتّاب الخوض في مسلّمات تاريخية أو الطّعن في شخصيات سياسية، باعبتارها «رموزاً» في البلد. في هذا السّياق، يصرّح الدكتور عمّار كساب، المختصّ في السّياسات الثّقافية: «وزارة الثّقافة الجزائرية، التي كانت تتمتّع بأكبر ميزانية في أفريقيا وفي العالم العربي، بين عامي 2005و2015، باتت اليوم غير قادرة حتّى على صرف رواتب بعض الموظّفين في مؤسّسات ثقافية عمومية، هي تقوم بإستجداء متعاملين خواص للمساهمة في نشاطاتها، لكن هذا لن يحدث، بحكم أنه ما يزال قطاعاً غير منتج. والقوانين التي تحكم القطاع(في مجالي السّينما والكتاب مثلاً) وُضعت للسّيطرة على الفعل الثّقافي». ويضيف المتحدّث نفسه: «الحكومة توظّف الثّقافة لأغراض سياسية، خصوصاً عن طريق المهرجانات، التي يحمل معظمها طابعاً أيديولوجياً، يمجّد النّظام. وكلّ وزير جديد يُحاول أن يفرض منطقه في الموضوع». 
حين وصل عزّالدين ميهوبي إلى منصب وزير ثقافة، ربيع 2015، استبشر الكثيرون خيراً، بحكم أن الرّجل عليم بمفاصل القطاع، وله تجربة واسعة في العمل السّياسي وفي تسيير مؤسسات ثقافية وإعلامية (يومية «الشّعب» الحكومية، اتّحاد الكتّاب الجزائريين، اتّحاد الكتّاب العرب، الإذاعة الجزائرية، المكتبة الوطنية الجزائرية، المجلس الأعلى للغة العربية وغيرها)، وقدّم حينها وعوداً شفوية بوضع الجزائر في واجهة العواصم الثّقافية العربية، لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن الوزير لن يستطيع حتّى الدّفاع عن ميزانية وزارته في الحكومة، ولن يستطع الرّفع من رقمها ومن أغلفتها الاستثنائية. بلغة الأرقام، سنجد أن ميزانية الثّقافة في الجزائر قد ارتفعت بين عامي 2006 و2016 من 58.9 مليون دولار إلى 167.69 مليون دولار، أي أنهّا ارتفعت في عشر سنوات بأكثر من 100 مليون دولار، مما سمح للجزائر بتنظيم عدد من التّظاهرات الثّقافية الكبرى: الجزائر، عاصمة الثّقافة العربية 2007، المهرجان الثّقافي الأفريقي، 2009، تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، 2012، تخليد ستينية الثّورة الجزائرية، 2014 وقسنطينة، عاصمة الثّقافة العربية، 2015، لتسجل الميزانية سقوطاً حرّاً في عهد عزّ الدين ميهوبي، بتراجع يقدّر بحوالي 60٪ من الغلاف المالي الإجمالي الممنوح للثّقافة. 
ربّما يكون لهذا الوضع الثّقافي الحالي وجها إيجابيا، بحسب الكاتبة والأكاديمية حبيبة العلوي، «يتحقّق باستفاقة الثّقافة المستقلّة في الجزائر واستغلالها لفرصة انسحاب الوزارة نسبيّا من تسيير الشّأن الثّقافي، بإطلاق مبادرات نوعيّة مبنيّة على تمويلات وطنيّة مختلفة ولو متواضعة ولكن بشرط خلق خيارات ثقافيّة جديدة قريبة من حاجات المواطن الثّقافية، تُخاطب وعيه وتحترمه بما يضمن استقطاب أكثر للجمهور ومردوديّة ماديّة ولو بسيطة للسّلع الثّقافية المعروضة». هذا الكلام لا يخرج عن دائرة الاحتمالات، يواجهه احتمال آخر أسوأ من السّابق، يتمثّل في «الانسحاب المتواصل للمؤسّسة الرسميّة عن واجباتها التمويليّة للقطاع الثقافي، وعزوف المجتمع المدني عن مطالبة السّلطة بالحدّ الأدنى لتمويل القطاع الثقافي المتمثّل في نسبة 1 بالمئة من الميزانية الحكومية، وعن مطالبتها أيضاً بانتهاج الآليات الضّامنة لشفافيّة وعدالة توزيع هذه النسبة على مستحقيها، وبالمقابل أيضاً المواصلة في تبنّي الوزارة لتشريعات مضيّقة على التّمويل الأجنبي وغير ميسّرة للاستثمار المحلّي في المجال الثقافي» تضيف حبيبة العلوي. 
وبدل أن يُعيد الوزير ميهوبي الجزائر إلى الواجهة العربية، كما قال في وقت سابق، برز بخرجاته المتكرّرة، مع مسؤولين ونظراء له من كوريا الشّمالية ومن إيران، وقّع مع سفير كوريا الشّمالية، في الجزائر، اتفاقاً خاصاً يقضي بتبادل الفرق الفنية، والمشاركة في المهرجانات الثّقافية الدّولية التي تُقام في كلا البلدين، وكذا تشجيع التّعاون في مجال النّشر وترجمة الأعمال الأدبية، والمشاركة في معارض الكتاب الدولية كما ينوي الطرفان العمل على تشجيع التعاون لتكوين الخبراء في مجال حفظ التّراث الثقافي، وقاد ميهوبي أسبوعاً ثقافياً جزائرياً، في طهران، ووقّع مع السّيد رضا صالحي أميري، وزير الثّقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، اتفاقية تعاون بين المركز الوطني للسّينما والسّمعي البصري الجزائري ومؤسسة الفرابي للسينما الإيرانية، يحدث هذا في وقت تغيب فيه الجزائر عن مبادرات التّعاون العربي ـ العربي، في المجالات الثّقافية، وتفقد ـ تدريجياً ـ مكانتها في المحيط العربي، بل أيضاً تراجعت مكانتها الثّقافية، في المحيط المغـــــاربي، ضمن دول شمال أفريقـــيا، فهـــــل هذا الوضع المرتبك، الذي تعيشه الثّقافة الجزائرية أيّام الوزير عزّالدّين ميهوبي، يبرّر أن يُمنح جائزة «شخصية العام الثّقافية 2017»؟! ويعلّق الدّكتور عمّار كسّاب في الأخــــير: «الـــجوائز لا تصنع الوزراء، بل تصنعهم نتائج أعمالهم!».

 

«القدس العربي»