يقول المؤرخ نعوم شقير: "ولقد دفعت الغيرة الوطنية والحمية الإنسانية الدكتور محمد علوي باشا في المؤتمر الذي عقد في مصر سنة 1902م في هذا الأوتيل نفسه، فرفع تقريرًا وافيًا لاتخاذ التحوطات الصحية اللازمة لمقاومة أمراض العين في القطر المصري".
كانت "بوابة الأهرام" قد انفردت بنشر خطبة نادرة لها من العمر 105 سنوات للمؤرخ نعوم شقير بعنوان "شرف الإحسان" ألقاها في 3 إبريل عام 1912 في فندق كونتينتال، في حفل مدرسة "الحياة الجديدة للكفيفات بالقاهرة"، حيث كشف بالإحصائيات إصابة نصف مليون مصري بالعمى والعور.
والمؤرخ نعوم شقير أحد أهم المؤرخين العرب في العصر الحديث، ولد في بيروت، وهاجر من لبنان إلى مصر بعد انكشاف أمره بعد دخوله لجمعية معارضة للأتراك، وفي مصر التحق بالجيش الإنجليزي في 20 سبتمبر 1884 وألحق بحملة إنقاذ غردون للسودان، وبعد عودة الحملة تم حلها واستبدالها بجيش الحدود التابع للجيش البريطاني، وعمل مترجمًا بجيش الحدود في أسوان، حتى ألحق بمكتب المخابرات في 1889، وقد قام بحفظ وثائق الثورة المهدية في السودان، كما كان أحد المدافعين عن سيناء ضد أطماع تركيا.
وأضاف شقير "من أهم مقترحات المؤتمر الطبي الأول الذي انعقد في مصر تأسيس مستشفيات رمدية ثابتة في المدن الكبيرة فصدق أعضاء المؤتمر التقرير بالإجماع وكان من أكبر المعضدين له المرحوم جاييه الرمدي الشهير مندوب الجمهورية الفرنسية في المؤتمر فطلب من الحكومة المصرية تنفيذ قرار المؤتمر رحمة بالإنسانية".
وفي اليوم التالي لهذا الطلب بلّغ المرحوم سوارس الدكتور محمد علوي باشا أن المحسن الكبير والمالي الشهير إرنست كاسل الإنجليزي وهب 40 ألف جنيه لمقاومة الرمد في مصر فعقدت جلسة رسمية في مصلحة الصحة وقررت بأمر فخامة اللورد كرومر - تولي منصب المندوب السامي البريطاني في مصر- أن يبدأ العمل بإنشاء مستشفيات نقالة والسعي في إنشاء مستشفيات ثابتة في مدن القطر".
وعلى أثر ذلك اهتمت الحكومة المصرية وكبار المحسنين من سكان القطر بعضد المشروع فأسسوا مستشفيات رمدية ثابتة في كل من مدن القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة وأسيوط وسيشرع قريبًا بإنشاء مستشفى ثابت في مدينة قنا وهذا السعي الجميل في مقاومة الرمد مع انتشار العلم في القطر انزلا متوسط الإصابات بالرمد فيه من 69 في المائة في إحصائيات سنة 1882م إلى 75 في المائة في إحصاءات بعض الاختصاصيين الأخيرة ومع كل ما أعدته الأمة والحكومة لمقاومة الرمد في القطر مايزال التقصير ظاهرا للعيان والمجال فسيحا لرجال الإحسان.
وتساءل المؤرخ نعوم شقير في خطبته النادرة "ما الذي أعده سكان القطر وحكومته لتخفيف مصاب أولئك المساكين الذين نفذ فيهم السهم وأصبحوا في ليل دائم وهم مقيم؟ لعمري أن التقصير هنا أظهر والمجال لرجال الإحسان أوسع وأكبر".
وأضاف "وقد كان من أمنيات المؤتمر الدولي الذي عقد في هذه العاصمة في أواخر فبراير سنة 1911م لتحسين حال العميان تحت رعاية الجناب العالي الخديوي إنشاء جمعية كبيرة تحت رعاية سموه للنظر في تحسين حال العميان عمومًا في هذا القطر وهي أمنية شريفة نسأل الله إتمامها قريبًا في ظل الخديوي المعظم ومعونة فخامة اللورد كتشنر المؤيدين لكل مشروع خيري أو إصلاحي في هذا القطر".
أما الآن فليس للنصف مليون أعمى في القطر إلا مدرسة في الزيتون في ضواحي القاهرة أسست سنة 1901م بسعي السيدة الإنجليزية الفاضلة "مسز أرميتاج" ومدرسة في الإسكندرية أسسها المحسنان الكبيران الإرل أوف ميث واللادي زوجته وكلا المدرستين للذكور وفي كل منهما ستون تلميذًا "وأما البنات الكفيفات موضوع هذه الحفلة فليس لهن في القطر المصري كله إلا هذه المدرسة الصغيرة التي أنشئت حديثًا.