تتطلع كل من الإمارات والسعودية إلى البدء بمشاريع “صناعات استخراجية” على سطح القمر والكواكب القريبة، في نظرة استثمارية بعيدة المدى تنافس الجهود العالمية في استكشاف الفضاء.
وتنظر كل من الإمارات والسعودية إلى الفضاء كوسيلة لتنوّع المصادر خارج إطار “الوقود الأحفوري” للأرض. إذ قال توم جيمس، المتحدث باسم الشركة الاستشارية في مجال الطاقة في لندن وسنغافورة “نافيتاس ريسورسز”: “تستثمر دول النفط في الشرق الأوسط في تكنولوجيا الأقمار الصناعية وتحاول تحويل اقتصاداتها المحلية إلى اقتصادات رقمية واقتصادات قائمة على المعرفة”.
وبينما يطمح الداعون للاستيطان في الفضاء مثل إلون موسك وجيفري بيزوس مالك صحيفة “واشنطن بوست” لتقليص تكلفة السفر إلى الفضاء، تزايد الاهتمام بين الدول النفطية وغيرها حول كيفية تشغيل المستوطنات الفضائية باستخدام المياه والمعادن التي سيتم استخراجها من الفضاء.
استثمار من نوع آخر..
وتستثمر الدول النفطية في الشركات والبنى التحتية التي يمكن أن تنقّب يوماً ما عن المعادن والماء على سطح القمر وفي الكويكبات القريبة.
قال جيمس: “إنهم يستثمرون فيه من أجل اجتذاب الأعمال إلى الشرق الأوسط”. وتمتلك الدول النفطية مساحات شاسعة غير مستثمرة وعددا قليلا نسبياً من السكان كما تقع بالقرب من خط الاستواء. وأطلقت الإمارات العربية المتحدة جهداً متعدد الجوانب لإنشاء صناعة فضائية استثمرت فيها أكثر من 5 مليارات دولار، وتشمل أربعة أقمار صناعية موجودة حالياً في الفضاء وقمرا صناعيا إضافيا سيطلق في عام 2018.
وأكد جيمس: “الشرق الأوسط يعد مثالياً لإطلاق المركبات والسفن الفضائية، وهو الحل على المدى الطويل؛ فقطاعا النفط والغاز لن يبقيا للأبد. لذا فإنهم يتطلعون للاستثمار والمشاركة في الاقتصاد الجديد للمستقبل”.
الفضاء البيئة الاستثمارية النادرة
ويعد الماء أمرا بالغ الأهمية؛ إذ يمكن تحويله إلى الهيدروجين لاستخدامه كوقود للمركبة الفضائية، وأكسجين للتنفس أو يترك كما هو للاستفادة منه في الشرب والاستخدام اليومي. ويعد القمر المرشح الرئيس لاستخراج تلك المصادر نظراً إلى أنه يبعد عن الأرض مسافة رحلة تتطلب 4 أيام فقط ويحتوي على الكثير من الجليد.
إلى ذلك، ازداد الاهتمام بالتعدين والتصنيع في الفضاء خلال السنوات الأخيرة؛ إذ بدأ مسك وبيزوس وغيرهما بالضغط نحو التوجه للخارج. ويعتبر أحد “مفاتيح” باب السفر للفضاء بأسعار معقولة والتصنيع في الفضاء هو العثور على مواد خارج الأرض مثل: المياه والمعادن التي لا تحتاج لأن يتم حملها من الأرض نحو الفضاء.
وحيال ذلك، قدم بنك “غولدمان ساكس” ورقة بحثية حديثة توضح أن “التعدين والتنقيب في الفضاء يمكن أن يكونا أكثر واقعية مما هو متصور”. وقال البنك في التقرير نفسه أن تخزين المياه كوقود يمكن أن يكون “مغيراً للوقائع” من خلال إنشاء محطات غاز مدارية.
وستظل معظم المعادن التي يتم التنقيب عنها في الفضاء لاستخدامها فيه. ويمكن إعادة بعض السلع النادرة ذات القيمة العالية إلى الأرض. على سبيل المثال، أشارت مؤسسة غولدمان ساكس في مقابلة أجرتها معه مؤسسة “بلانيتاري ريسورسز” في عام 2012، إلى أن كويكب بحجم ملعب كرة قدم يمكن أن يحتوي على بلاتين يصل قيمته إلى 50 مليار دولار.
وأوضح تقرير غولدمان ساكس: “أن تعدين الكويكبات يمكن أن يزوّد اقتصادا صناعيا ناشئا في المدارات بجميع المواد الخام اللازمة”.
المستقبل لتغيير الحاضر
وفي السياق ذاته؛ بدأت احتمالات الاستثمار في الفضاء بالتأثير على قطاع الأعمال. وأفاد جيمس أنه: “في غضون السنوات الخمس المقبلة، ستبدأ شركات التعدين والطاقة بالتفكير في التنقيب في الفضاء قبل أن يبدأ المساهمون في التساؤل: ما هي إستراتيجيتكم؟ ثم يجيبونهم: لا يوجد لدينا”.
لكن التكنولوجيا المطلوبة موجودة بالفعل. حين أطلقت وكالة “ناسا” مهمة بقيمة مليار دولار في أيلول/ سبتمبر الماضي لتفريغ مواد من كويكب يبلغ عرضه 2000 قدم ويدعى “بينو”. ومن المقرر أن تطلق المركبة الفضائية إلى الكويكب في عام 2018، وتمد ذراعها وتجمع حمولتها. وستعود السفينة محملة بالمواد إلى الأرض بعد بضعة أعوام.
تحديات..
وقال بول تشوداس، عالم الفلك وخبير كويكبات في وكالة ناسا، إنه من غير الواضح ما إذا كان التعدين على نطاق أوسع يعد قطاعاً تجارياً حقيقياً.
وتسافر الكويكبات عبر الفضاء بسرعة تبلغ عشرات الآلاف من الأميال في الساعة؛ لذلك يعد تتبع الكويكبات وتحديد مكوناتها أمرا صعبا.
وقال تشوداس: “إنه من الصعب تحديد أي الكويكبات تحتوي على أكثر المعادن قيمةً”، وأكد أنه يمكن القيام بذلك لكن “السؤال الحقيقي هو تحديد العلاقة بين التكلفة والفوائد. فهل يستحق الاستثمار في أحد الكويكبات هذه التكلفة؟ نحن لا نعرف حتى الآن. ولا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين علينا القيام به لتحديد ما إذا كان التعدين الفضائي مربحاً. لكن الأمر واعد”.
وقال كريس لويكي، الرئيس التنفيذي لشركة “بلانيتيري ريسورسز” وهي شركة تقع في منطقة سياتل مختصة في دراسة الكويكبات للعثور على كويكب مرشح للتعدين، إن صناعة التعدين يعد أمرا طبيعيا للقيام بالخطوة الأولى عندما يتعلق الأمر باستعادة المعادن الفضائية بسبب احتباس أغلبها في باطن الأرض. ويتوقع أن تبدأ أول عملية تعدين صغيرة روبوتية بالحفر لاستخراج المياه من على كويكب في غضون 10 أعوام.
وقال لويكي: “هذه هي طريقة استمرار صناعة التعدين، فتعدين الكويكبات ليس مشروع فضاء بل هو مشروع موارد. وكما أن المعادن والمواد تعد هامة جداً لاقتصادنا، يصبح الفضاء وسيلة جديدة لتعزيز هذا الاقتصاد “.
ملكية الكويكبات..
وحصلت المرحلة التنظيمية على دفعة كبيرة عام 2015 عندما وقع الرئيس باراك أوباما تشريعاً يعترف بحقوق ملكية موارد الكويكبات والذي يعترف بحق المواطنين الأمريكيين في امتلاك موارد الكويكب، ويشجع على الاستكشاف والاستغلال التجاري للموارد من على الكويكبات.
وبالإضافة إلى قطاع الفضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية أن السعوديين وقعوا اتفاقاً مع روسيا في عام 2015 للتعاون في استكشاف الفضاء. وتعد أبوظبي من المستثمرين في مشروع ريتشارد برانسون للسياحة الفضائية “فيرجين غالاكتيك”.
ويحاول العديد من الشركات الخاصة تحديد إمكانات التعدين الفضائي، وقال بيتر ستبراني، كبير الإستراتيجيين والمطورين في شركة “Deep Space Industries” إنك “إن كنت تخطط لوجود أي نشاط بشري كبير في الفضاء، فأنت بحاجة إلى موارد. سيكون من الصعب جداً اطلاق كل شيء من الأرض”.
مشكلة رباعية الأبعاد
تأسست شركة “Deep Space Industries” قبل 4 أعوام وتعيش على الأموال المتبرع بها من المستثمرين والمؤسسين. وقال ستبراني إن الشركة في طور تطوير التكنولوجيا وتعمل على إنشاء أنظمة تسليم لعمليات الإطلاق للمدار القريب. وأشار إلى أن التعدين في الفضاء يواجه ما يسميه “مشكلة رباعية الأبعاد”.
أول عقبتين هما مشاكل تكنولوجية وتنظيمية ويتم معالجتهما في الوقت الحالي. وقال تقرير غولدمان ساكس: “في حين أن الحاجز النفسي أمام تعدين الكويكبات مرتفع، إلا أن الحواجز المالية والتكنولوجية الفعلية أقل بكثير. ويمكن بناء مجسات للتنقيب مقابل عشرات الملايين من الدولارات لكل منها، وأشار معهد كاليفورنيا للتقنية “كالتيك” إلى أن المركبة الفضائية التي تجذب كويكبا قد تكلف 2.6 مليار دولار”.
وأشار جيمس إلى “الأقمار الصناعية النانوية” وهي أقمار صناعية صغيرة أسعارها رخيصة نسبياً إذ تبلغ قيمة الواحدة نحو 2 مليون دولار وهي أقل بكثير من مئات الملايين اللازمة لوضع الأقمار الصناعية الحالية في المدار.
أما العقبة الثالثة فهي عدم وجود سوق حالي لموارد الكويكبات. ويتوقع حل هذه المشكلة عندما يصل عدد سكان الفضاء نسبة حرجة تتطلب وجود بنية تحتية.
- إرم نيوز