طرح الرهان الضمني لأحداث فاتح مايو 2017 أداء الجهاز الحكومي بكامله على بساط البحث، بعد فترة وجيزة من تنبيه الجهاز التشريعي على حتمية تجريد السلطة المعنوي من أهم وسائل التحكم في شؤون البلاد إذا استمر تضاؤل ما لديها من هيبة في عقول المواطنين جراء تماديها في خيارات غير مقنعة حتى لأقرب الناس لمحيطها السياسي.
صبيحة الاثنين فاتح مايو والأيام التي تلته كانت أحياء وضواحي عديدة في العاصمة وبعض مدننا الداخلية أمام شغب عنيف وفوضوي يلحق اضرارا جساما بممتلكات الأفراد ويهدد أرواحهم ويروع السكينة العامة، تصاحبه شعارات وخططٍ شبيهة بالتي يضعها جهاز مركزي، ويوزعها على شبكة محكمة تغطي فضاءات متباعدة، لا يستساغ مرورها وتنفيذها دون علم أجهزة الأمن ومصالحه، إلا إذا كانت في حالة ترهل وجمود شبية بما أصاب الجهاز السياسي للسطلة، ودفع به إلى عدم استشعار ما يجري ويداول من افكار واحتمالات في الغرفة العليا من البرلمان قبل تصويت السابع عشر من مارس، رغم أن الذي حصل كان متوقعا وثمرة حتمية للخيبات المتكررة و الأداء غير المبهر في الشراكة والتعهدات السياسية .
كذلك الأمر فيما حدث فاتح مايو، فقد كان متوقعا وثمرة لخيبات ووعود الحوارات السابقة بما فيها الحوار الاجتماعي وغيره وعود كثيرة مرتبطة بحل مشاكل القطاعات الحيوية كقطاع النقل، القطاع الحساس، وأكثر القطاعات أعطابا و ابرز عناوين العجز الحكومي الشامل، الذي فاق حدود المعقول، وكان ينتظر أن تشكل تفاعلات فشله مدخلا لتهيئة مزيد من التربة الحاضنة لقوى الفوضى والانفلات الأمني المخيم منذ سنوات على مدن البلاد الكبرى وعاصمتها بعد الاتساع الكبير لهامشها الاجتماعي والعمراني جراء النزوح الريفي المتواصل من مختلف الجهات بحثا عن قطع أرضية شكل الوعد بتوزيعها أهم الشعارات ذات الجاذبية في برنامج النظام واتسمت بالارتجال والبعد من الإنضاج والدراسة والتمحيص، وترتب عليها انفجار مدينة تواجه هشاشة وضعفا بنيويا فادحا في تأهيلها الحضري الأصلي ، ولم تكن مهيئة لاستيعاب ما قذفت به جهات الوطن من نازحين يساقون في حركة جماعية كما تسوق الرياح الغيوم من أماكن بعيدة، وعلى نحو شبيه بما أحدثه نزوح جفاف ستينيات القرن الماضي من هجرة غيرت بنية المجتمع وقواعد ضبطه، وما ترتب عن الأمر من خلل في قطاعي التنمية والزراعة القروية وضغط على نقاط تجمع عديمة البنية والتأهيل العمراني اصلا مثل نواكشوط التي أصبح مطلوبا منها تأمين فرص عيش وعمل تفوق كثيرا قدرتها.
بعد نزوح العشوائيات الجديد أصبحت لضواحي العاصمة المهملة في السابق ضواحي جديدة : خارجة عن كل أنماط النمو الحضري، وعاجزة عن تلبية الحدود الدنيا من حاجيات قاطنيها من الرياض حتى دار النعيم وعرفات ودبي والترحيل ولمغيطي والفلوجة واسبيخة، حتى لحفيرة شمالا... تجمعات مكدسة ينقصها الماء والتطبيب والشغل ويسودها عجز النظام المدرسي وانتشار عصابات الجريمة وصعوبة النقل والحركة من وإلى قلب المدينة، الذي تعتمد في عيشها اليومي عليه، ومناخ معمم تشحنه خطابات التباغض بين مكونات المجتمع، وتنخر داخله خطابات الكراهية في العجينة الطرية لأرواح الشباب، والقادمين الجدد.. وتتفرج فيه الدولة وأجهزتها على دفق يومي يوظف آخر مبتكرات التواصل والبث الإعلامي ليدفع البلاد نحو تخوم بركان الفتنة.
أمور كهذه كان يتحتم وضعها في الاعتبار ومناقشتها بروية وتبصر مع العاملين في قطاع النقل الذي لا احد يجادل في حاجته الماسة إلى الإصلاح، لكن ضمن مسار يعتمد الحوار الاجتماعي، ويُفعَِل دور والعاملين في القطاع لإنجاح وتطبيق كل إصلاح وتطوير يحتاجه، لأن من يأكل العصي ليس كمن يَعدها، خصوصا وسط مناخ تستدعي إجراءات الحفاظ فيه على السكينة العامة الانتباه لأقل الحركات والإنصات لأضعف الأصوات لكن ضمن خطة تعتمد أدواتها رؤية لقيام عدالة اجتماعية ونظام يفشي قيم التعايش والحوار والتفاهم فوق وطن يتقاسم الجميع وينعم بخيراته، نظام يعمل وتمارس أجهزته العدل والإنصاف وتعزز ثقافة المواطنة، وليس نظاما يكتفي بالنفير المؤقت واستخدام العصي والكلبجات.
افتتاحية حزب الصواب؛ الاثنين: 08/05/2017