احتضنت الجزائر، مساء الثلاثاء، العرض العالمي الأول لفيلم «ابن باديس»، الذي يستعرض حياة ونضال العلاّمة ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر عبد الحميد ابن باديس (1889-1940).
وعُرض الفيلم في قاعة «أحمد باي»، في مسقط رأس الأمام بقسنطينة (شرق البلاد)، وبحضور وزير الثقافة الجزائري عزالدين ميهوبي، ومخرج العمل باسل الخطيب (سوري)، وكاتب السيناريو رابح ظريف، وأفراد من طاقم الفيلم ووجوه فنية محلية، بالإضافة إلى عدد من الإعلاميين الجزائريين.
ويتناول الفيلم أبرز المحطات، التي شهدتها حياة العلامة عبد الحميد ابن باديس، ومقاومته للمستعمر الفرنسي للجزائر (1830-1962)، وكذلك المؤامرات، التي حيكت ضده من طرف العسكر الفرنسي، إلى جانب سرد محطات سفرياته إلى تونس من أجل طلب العلم.
ويبدأ الفيلم بمشهد وفاة جدّه الشيخ المكي «ابن باديس»، ليسير في مسارات مختلفة شهدتها حياة «ابن باديس»، بدأت من الطفولة، ومرحلة الدراسة، ثم زواجه، ثم قيامه بالحج وعودته إلى الجزائر، ثمّ سفره إلى تونس لطلب العلم وتأسيسه لجمعية «العلماء المسلمين الجزائريين» حتى وفاته في 16 أبريل/ نيسان 1940.
بشكل جميل، تحكي القصة سيرة ومسيرة الإمام «ابن باديس»، وتنتقل عبر خطوط درامية مؤسسة على وعي تاريخي، لكنّها متشابكة، ومتقاطعة بحيث يستحضر فيها ظل «ابن باديس» واقع المجتمع الجزائري في تلك الفترة.
ويُلخص العمل في زمن قدره ساعتين، 51 عامًا هي حياة «ابن باديس»، بمقاربة ذكية لم تغرق في التفاصيل المثيرة للاختلافات والجدل بخصوص علاقته مع مذهب «الوهابية»، وزوايا تدريس القرآن، بل غلبت عليها المسحة الإنسانية والنضال ضد الاستعمار الفرنسي ودفاعه عن الهوية والشخصية الجزائرية العربية الإسلامية.
كما ركزت القصة على الجانب الإصلاحي، والفكري لدى الشيخ حول رفض الظلم، والدعوة لتعليم المرأة والانفتاح على الحداثة، والعصرنة، وتقبل الرأي الآخر وغيرها، إلى أن ينتهي الفيلم بمشهد درامي لجنازته.
وقال كاتب العمل الجزائري رابح ظريف، إنّ الفيلم يتطرق إلى أهمّ المحطات التي عاشها وشهدها «ابن باديس»، بدءا بطفولته وزواجه ودراسته في جامع «الزيتونة» في تونس، ثم تأسيسه لجريدتي «المنتقد» و»الشهاب»، ورئاسته لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بالإضافة إلى مواقفه من الإستعمار الفرنسي.
وأشار إلى أنّ الفيلم، هو أول عمل قدم صورة جديرة بالاهتمام حول هذه الشخصية، فعلاقة الشيخ بالاستعمار كانت في وجهين، مهادن في العلن، ومحارب في السرّ.
ولفت إلى أنّ الفيلم يُصحح أيضًا بعض المحطات التاريخية، التي أُسيء فهمها كعلاقة العلامة بالزوايا (المساجد الصغيرة) والكتاتيب القرآنية، وبمذهب «الوهابية» (مصطلح أطلق على حركة إسلامية قامت في منطقة اليمن والجزيرة العربية في القرن الـ18 الميلادي على يد محمد بن عبد الوهاب «1703-1792» ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية).
وأوضح أن «ابن باديس لم يكن معاديًا للزوايا، ولم يكن وهابيًا بل كان جزائريًا، لم يقرأ للمذهب الوهابي أي كتاب، وبالتالي فإن الفيلم سيُقدم الصورة الأمثل لهذه الشخصية».
وعن صعوبات إنجاز الفيلم، أشار «ظريف» إلى أنّ الدولة الجزائرية عن طريق وزارة الثقافة، وفرّت له كافة الإمكانيات المادية والمعنوية.
واعتبر أنّ الصعوبة الوحيدة بدت في تلخيص حياة الشيخ «ابن باديس»، الذي عاش 51 عامًا، في ساعتين من الزمن وهي مدة الفيلم.
وشارك في بطولة العمل، الذي أنتجه «المركز الجزائري لتطوير السينما»، تحت إشراف وزارة الثقافة العديد من الممثلين الجزائريين يتقدمهم يوسف سحايري بطل الفيلم، الذي جسد شخصية «ابن باديس»، وسارة لعلامة، وعبد الحق بن معروف، وحسان كشاش، وأخرين، على أنغام الموسيقى التصويرية للعازف والموسيقار سليم دادة.
ويعد الإمام والمصلح عبد الحميد بن باديس، أحد أعلام الحركة الإصلاحية الإسلامية في الجزائر، خلال النصف الأول من القرن الـ20، وولد يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 1889 في قسنطينة، التي توفي بها يوم 16 أبريل/نيسان1940.
وينحدر من عائلة عريقة تعود أصولها إلى «بني زيري» و«بلوغين بن زيري»، مؤسس الجزائر العاصمة، وقد حفظ عبد الحميد بن باديس القرآن في مسقط رأسه، وفقا للمناهج التقليدية، كما تعلم قواعد اللغة والأدب العربي وأصول العلوم الإسلامية.
وانتسب إلى جامعة «الزيتونة» في تونس عام 1908، وبعد تخرجه منها سنة 1912، مارس/آذار عبد «ابن باديس» التعليم بالزيتونة لمدة سنة، وفقا لما كان متعارفا عليه في هذه الـجامعة التونسية.
وامتهن بادئ الأمر، من عام 1913 إلى عام 1925، التعليم والتنشيط الثقافي، قبل أن يُكرّس طاقته، ويوجهها لإصلاح الممارسات الدينية السائدة في البلاد، آنذاك.
وقام عبد الحميد بن باديس، ابتداء من عام 1925، بنشر جريدة «المنتقد» وفي أعمدتها باشر، هو ورفاقه، نشر الأفكار الإصلاحية، لكن السلطات الإستعمارية الفرنسية منعت إصدار الجريدة ابتداء من عددها رقم 18 لأنها كانت، في رأي الإدارة الاستعمارية، تحريضية.
غير أنّ «ابن باديس» أصرّ وأصدر بعدها عدة منشورات دورية، تبقى أشهرها «الشهاب»، التي صدرت من 1925 إلى1939.
(الأناضول)