حجزت موريتانيا رقمها كسادس بلد يقطع علاقاته الدبلوماسية بقطر؛ في حصيلة مرشحة للارتفاع في قادم الأيام بلغة الإعلام.
كان بيان الخارجية الموريتانية صريحا في تسبيب قرار قطع العلاقات مع دولة قطر؛ بناء على إخلال الأخيرة بمبادئ العمل العربي المشترك، بتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية بهدف زعزعة استقرارها.
وكان البيان الموريتاني واضحا أيضاً، حين أكد دون مُواربة على دور قطر المشبوه كبلد راع للإرهاب والتطرف.
دون أدنى شك ستلمز الأقلام القطرية المأجورة في قرار موريتانيا المنحاز للموقف العربي بمقاطعة قطر والرامي لخدمة المصلحة العربية، بوقف أنهار الدماء التي فجّرتها سياسات الدوحة الداعمة للإرهاب؛ وسيطلقون حملة تشكيك في استقلالية القرار الموريتاني ودافعه بعيدا، عن الأسباب الصريحة الواردة في بيان الخارجية الموريتانية؛ ولموقفهم سيسوّق "ديمقراطيو قطر" ألف مسوغ متهافت.
موريتانيا البعيدة نسبياً من بؤر الصراع في الشرق الأوسط، لم تسلم من جرائر قطر، فعندما سيطرت الجماعات الإسلامية المتشددة على شمال مالي، حاولت قطر أن تكون لها يد في تلك الجماعات من أجل زعزعة أمن منطقة الساحل، بخلق تنظيمات إرهابية، تضمن لها الدوحة التمويل والتسليح
ورغمَ كون موقف نواكشوط لم يُتخذ قبل مساء أمس، فإن الأقلام المأجورة بدأت في نهش مكانة هذا البلد وتولغ في التعريض بشعبه الكريم. قرأتُ حتى الآن أن "موريتانيا بلدٌ هامشي وغير مؤثر" وأن "الموريتانيين مجردُ مرتزقة".. لم أستغرب أن يدوّن "مفكر قطر" محمد بن المختار الشنقيطي، والإضافة تقع بأدنى سبب، شامتاً في موقف بلده حين كتب "موريتانيا تلتحق بركب موريشوس، زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً" كل ذلك لمجرد أن نواكشوط قطعت علاقاتها مع قطر؛ لا غرابة، فموريتانيا كانت ستصبح رأس قاطرة العمل العربي لو دارت في فلك السياسة القطرية!
والواقع أن موريتانيا البعيدة نسبياً من بؤر الصراع في الشرق الأوسط، لم تسلم من جرائر قطر، فعندما سيطرت الجماعات الإسلامية المتشددة على شمال مالي المجاورة لموريتانيا، حاولت قطر أن تكون لها يد في تلك الجماعات من أجل زعزعة أمن منطقة الساحل، بخلق تنظيمات إرهابية، تضمن لها الدوحة التمويل والتسليح، ولكن موريتانيا وقفت في وجه هذا المشروع، بدعم من قوى لا تريد أن تنفجر منطقة الساحل الإفريقي.
قد يقول قائل إن قطر بلد شقيق لموريتانيا تماما مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية؛ وما كان لموريتانيا أن تنحاز لأي من الصفين، على أن هذا القول ليس إلا تمهيدا للقول بمنّة قطر على موريتانيا بالدعم والتمويلات؛ وهو قول مردود، فدعم موريتانيا قاسم مشترك بين أطراف الخلاف الخليجي الراهن؛ بل وبين كل دول الخليج العربي، ولكن الحقيقة أن دعم الدول الخليجية، سوى قطر، لموريتانيا كان منذ استقلال هذا البلد دعما لأشقاء غير مشروط لا يتبعه منٌ ولا أذى خصوصا من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ولم يكن سرا أبدا أن الدعم القطري لموريتانيا ظل مرهونا بخدمة تيارات الإسلام السياسي؛ فبعد الانتخابات الرئاسية في موريتانيا سنة 2007 ضغطت الدوحة في سياق تحالفها مع تنظيم الإخوان على سلطات نواكشوط من أجل الترخيص لحزب إسلامي، وكان لها ما أرادات، خلافا للدستور الموريتاني الذي يرفض انفراد حزب معين بحمل لواء الإسلام.
ولو سلمنا جدلا بأن القرار الموريتاني لم يكن مستقلاً، وجاء مجاراة للسعودية والإمارات، فإن المقارنة بين التمويلات القطرية وتمويلات باقي الدول العربية ليس في صالح قطر، فأغلب المشاريع التي وقعتها الدوحة مع موريتانيا بقيت حبرا على ورق ولم تعرف طريقها للتنفيذ، مثل "اتفاقية مشروع العوج العملاق لتكرير الحديد، بغلاف مالي في حدود ملياري دولار، و"مشروع الديار القطرية" الذي دشنه أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مرتين؛ ولم ينجز إلى اليوم.
لستُ في وارد الحديث عن سخاء السعودية وأيادي الشيخ زايد رحمه الله البيضاء لموريتانيا، إذ المنجزاتُ شاهدة في الطرق والمستشفيات والكهرباء، في الزراعة والتنمية الريفية، في الصحة أيضاً وفي التعليم، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.