نداء المسؤولية التاريخية (افتتاحية) | صحيفة السفير

نداء المسؤولية التاريخية (افتتاحية)

اثنين, 12/06/2017 - 03:19

لا يحتاج العرب وقد استبد بهم اليأس وقهرهم التخاذل معالجةً لمحنهم ونكساتهم المتجددة عبر حث الخطى في طريق جربوا أنه لا يوصل إلا إلى مزيد من التدابر والخلاف اللذينِ يمدهم الماضي القريب بذخيرة لا تنتهي ويشحنهم الحاضر المستنفر المتيقظ بوعي سياسي شقي بما يكرر الرهان على لعبة شد الحبال المميتة و حسابات فات أوانها لم تعد تصلح إلا للتسميم الذاتي وتدمير ما بقي من أطلال جسور الأخوة والتضامن ، بدل ترميم ما يمكن ترميمه منها.
الخليج العربي حاضن للجزء الأهم مما أُبقيّ من كيانات مستقرة في الوطن العربي والحفاظ على وحدة وانسجام كياناته الحالية أمر بالغ الأهمية في معركة وقف التشرذم والاقتتال الداخلي وضرب بعض العرب ببعضهم الآخر، في انتظار أفق لدحر موج هذا التشرذم الزاحف الذي لا يرضى بأقل من ما بعد خريطة سايس بيكو الثانية التي رسمت بحدود من الدم بعد سقوط بغداد وتدمير نظامها وجيشها الوطنيين 2003، و على أمل أن تستفيق الأسر الحاكمة في شبة الجزيرة والخليج العربيين من حالة مرض الاطمئنان على أوضاعها الأمنية والحدودية والنفطية في ظل الحراب الأمريكية والغربية أكثر من اطمئنانها إلى مشاركة أشقائها في العروبة والإسلام، و أن تدرك بعض هذه الأسر ما يمكن ان يقود إليه حب الزعامة وتنتهي إليه الرغبة العارمة في امتلاك النفوذ والقوة دون رؤيةٍ توزع اهدافها الاستراتيجية بكفاءة وتجمع على أقل تقدير أكبر كتلة متاحة من أقطار الأمة ومخزونها القومي، تكون قادرة حسب معطيات الأمور وموازينها الدقيقة أن تشكل ثقلا للتعادل والتكافؤ في حساب التقاطبات الدولية، ومنح الزعامة وبسط النفوذ اللذين باستطاعتهما الدفاع عن الكرامة والقضاء على عقدة الدونية والوقوف في وجه الأطماع الماثلة والمنتظرة.
ليس العرب اليوم في الخليج العربي ولا خارجه بحاجة إلى زائر يريهم عدوهم الحقيقي، فهم يعرفونه حق المعرفة رغم ما بُذل من جهد لنسيانهم له، ولاهم في حاجة إلى عدو لغيرهم يضعونه محل عدوهم الحقيقي ، كما لا يختلف اثنان منهم حول ملامح هذا العدو الواضحة في شمس منتصف النهار. عدو العرب هو من يقتل العرب من داخلهم، بمختلف مشاربه ومدارسه ومنطلقاته السادية البربرية التي تجعل اصحابها يصورون ويتلذذون وهم ينظرون الضحية تنظر الى عيونهم لحظة الذبح، عدو العرب هو من يحتل أرضهم ويستبيح ثروتهم وينشر الفتن في نسيجهم الاجتماعي والمذهبي، ويسعي لتحويل جيوش دولهم القطرية الضعيفة اصلا إلى ميليشيات، سواء قدم هذا العدو من وراء البحار او كان من جيران العرب التاريخيين، أو من القوى الخفية الضخمة التي تمد يد العون والتشجيع وتتاجر بسياسة المحاور والأحلاف.
إن إرادة الرأي العام الوطني والقومي ينبغي أن تتجه اليوم في التعامل مع احداث الخليج العربي التي انفجرت بعد زيارة اترامب الأخيرة للمنطقة بروح الإرتقاء فوق التصنيفات الاصطلاحية، وخلق جو شعبي يستنشق حقيقة نداء المسؤولية التاريخية لمنع أي استغلال للظرف الدولي الحالي المتجه بوقاحة لعزل وتفتيت واقتتال دول مجلس التعاون الخليجي بعد ان استغل كيانات عديدة منها في السنوات الماضية لتفتيت وتدمير دولا وأراضي عربية أخرى، ووجد لذلك بعضا معتبرا من رأينا العام وسيكون الخطر الآن مضاعفا بكثير لو وجد رأيا عاما جديدا يناصره في مسعاه التدميري الجديد. وهي حقيقة أدركها نادى بها أحد أبرز مفكري النهضة العربية المعاصرة في متصف الثمانينيات حين اعتبر أن ( عملية بناء المستقبل العربي تتطلب مساهمة مجموع الأمة ومجموع أجزائها وأقطارها وفئاتها، الكبير منها والصغير على حد سواء. لأن كل جزء لا بد أن يملك مساهمة أساسية ثمينة يضيفها إلى إسهامات الأجزاء الأخرى. وفي كل جزء مهما يكن صغيرا مشاكل وسلبيات إذا لم تفهم بروح قومية عميقة رحبة، تستطيع أن تعطل مسيرة الأمة كلها.

 

افتتاحية حزب الصواب: الاثنين 12/06/2017