نظم بيت الشعر - نواكشوط الليلة البارحة أمسية للشاعر محمد محفوظ، الملقب "أبو شمعة" وذلك وسط حضور لافت لقادة المنظمات الثقافية المدنية في البلاد وكبار المثقفين والمبدعين وجمهور غفير.
وأكد الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر - نواكشوط أن هذه الأمسية تعبير عن ما يكنه بيت الشعر من مكانة لذوي الوضعيات الخاصة، مستعرضا أسماء العباقرة العرب والموريتانيين، الذين تركوا بصمتهم في الإبداع ولم تمنعهم صعوبة المعاناة الجسدية من إنتاج أعمال أدبية وفكرية كان لها شأن كبير في مسار الأدب والثقافة والفكر.
وقال "نتذكر أهمية ودور هؤلاء في رمضان، ونستحضر مواقف جليلة في التاريخ على رأسها قول الرسول صلى الله عليه وسلم مخاطبا عبد الله بن أم مكتوم "أهلاً بمن عاتبني فيه ربي".
وشدد الدكتور على أن الاحتفاء هذه الليلة بشاعر من الشعراء الذين عاشوا حياة صعبة كالشاعر أبي شمعة يدخل في صميم البرنامج الإستراتيجي الكبير لبيت الشعر - نواكشوط، مبرزا أن من أهم أهداف مبادرة بيوت الشعر في الوطن العربي، فضلا عن تشجيع الإبداع، حماية اللغة العربية، التي تمثل الوعاء الحضاري لقيم الأمة، حيث كان لهذه اللغة دور كبير وحاسم في إذكاء روح الرقي والدفاع عن مصالح الأمة العربية والإسلامية.
بعد ذلك بدأ الشاعر محمد محفوظ أبو شمعة الذي حصل على شهادات عليا في اللسانيات واللغة العربية من جامعات تونسية في قراءة نصوص من تجربته الشعرية، حيث أنشد أكثر من عشر قصائد تتغنى بشهر رمضان المبارك، وحب الوطن، وهموم الشعر، وتسلط الضوء على معاناة ذوي الاحتجاجات الخاصة.
صاحب ديوان "شمعة في الظلام"، أنشد قصيدته "مرآتي"، التي يقول فيها:
أيهـا الشعــرُ أنْتَ نَبْضُ الحيــاةِ
أنْـتَ نـــايٌ مُعَـذَّبُ النغمــاتِ
دمعــةٌ أنْـتَ فوق خَــدَّيْ زَمـانٍ
غــارقٍ فــي الآلام والحســراتِ
أنْتَ نهرٌ من المشاعرِ يجري
فــي عُيُـونٍ مسكـوبـةِ النظـراتِ
ورْدةٌ أنْتَ مـن ريـاضِ المـآسـي
قَطَفَتْهــا أصـابـعُ الذِكْـرَيــاتِ
إلى أن يقول:
شمعـةٌ أنْتَ فـي دمـي أَشْعَلَتْهـا
رَعْشَةُ الـروحِ فـوقَ طَـوْقِ النجـاةِ
أنْـتَ أوتـارٌ بيـن جَنْبَـيَّ شُـدَّت
داعَبَتْـهـا أنــامــلُ الكلمــاتِ
معبــدٌ أنْتَ فيـه ظلَّـتْ سطـوري
خَاشِعاتٍ تتلـو مـن الصلـواتِ
تتحـدى الآثـامَ وهــي تُنـاجـي
رَبَّـةَ الشــوقِ ربَّـةَ النَّسَمــاتِ
أيهـا الشعــرُ أنْتَ مــرآةُ قَلْـبٍ
نــابِضٍ بالآهــات والـزفـراتِ
بسمـةٌ أنْـتَ فـي شِفـاهِ الليـالـي
رَسَمَتْهــا عـرائـسُ الأُمْنِيَــاتِ.
وقرأ قصيدة "بلادي"، التي يقول فيها:
أأنت قصيد في متون الدواويـن
أم انت وريد في قلوب الملايين
هل انت نشيد آثر المجد عزفـه
على وتر الأخـلاق والعلم والدين
أم انت رياح أرسلت غيمة الهـدى
لتسقي ماء العلم شتّى الأراضين.
ألست عرينا تحرس الأسد بابـه
وحضنـا حنونـا دافئا للمساكين
عرفتك يا شنقيط يا هامة العـلا
وَيا رايةً خفّاقـة في الميـادين.
قـرأتك في جفن المـلاك قصيدة
ونـارا تلظّى في عيون الشيـاطين.
بعدها قرأ قصيدته "الجرح النازف"، التي يقول فيها:
هلْ لنا اليوْمَ في البكاء عَزَاءُ
ليتَ شعري وهل يُعَزِّي البُكاءُ
أتَفُكُّ الدُّموعُ قَيْدَ أسيرٍ
أَم تداوي جرحا جناه الإِباءُ
أَم تراها الغداة أمْسَت قناعا
يرتديه الضِّعافُ والجبناءُ
لستُ أدري لكنَّ جُرْحَ زماني
ليس تَشْفِيهِ عبرةٌ أو رثاءُ
وقرأ "شمعة في الظلام" ومنها:
ضمّـد جـراحـك إن الجـرح يلتئـم
واتـرك عبوسـك فالأيـام تبتسـم
مـا أنت أول إنسـان تجـرع مـن
كـأس التعاسـة حتى هدّه السقـم
ولست أول مـن ألقـت بمركبـه
ريح الحيـاة إلـى شطآن من ظلموا
هـي الحيـاة عبـاب ليس يمخـرها
إلا شـراع مـع الأمـواج يصطدم
فاصنع شراعا مـن الآمـال وارم به
في بحرهـا عندها الأحلام ترتسم
كم من ضريـر عصا الآمال في يده
بهـا يسيـر ومـا زلّت بـه قـدم
شمس الإرادة فـي آفاقـه سطعت
تمحو ظلامـا به الآفـاق تـزدحم
عينـاه بحـران في قـاعيهما رسبت
لآلـئ مثلهـا فـي اليمّ منعـدم
لآلـئ زيّنت جيـد الـزمـان بهـا
أيـد تراقـص فـي أطرافهـا الألـم
أمـا أنـاملـه فالسحـر دان لهــا
كـم لملمت من شتـات ليس يلتئم
كم سطرت في سجل الدهر من عبـر
عـن خطها يعجز المـداد والقلـم
إن كانت الشمس وصل العين قد صرمت
فـوصلهـا لفـؤادي ليس ينصـرم
إنـي شـربت مـن الآلام صـافيـة
كـادت لهـا نبضـات القلـب تنعـدم
لكننـي بحبــال الصبـر معتصـم
وليـس يجزع من بالصبـر يعتصـم
كـأننـي وسهـام اليـأس تـرشقنـي
علـيّ درع مـن الآمـال ملتحـم
لـي أحرف من شفـاه الصبر آخذها
بهــا أسطّـر آلامـي فتحتشـم
وقد سكبت عليها مهجتـي فغـدت
عقـدا من النـور حول القلب ينتظـم
قصائدي في دمي ذابت مطالعهــا
وأسطـري بوسام الصدق تتسـم
إذا أرقت إنـاء الكبـريـاء علـى
رمل الشموخ تـراءت فوقـه القمم
إنـي امرؤ تكتب الأيـام سيرتـه
علـى صحـائف فيهـا يرقد الحلـم
لكننـي بضجيـج الصمت أوقظـه
لعلـه من ضجيـج الصمت ينتقم
كم فوق أجفانـه ألقيت أشرعتـي
ورحت أبحـر والأمـواج أقتحـم
فمـا تكسـر مجـذافـي لعاتيـة
ولا تجمّد في أوصـالـي السـأم
فكن رفيقي على درب الشموخ إذا
مـا شئت مجدا بـه تجثو لك الأمم
ودعك من هامش خطّ الشقـاء به
سطـرا تعانق فيه التيه والنـدم.
بعدها قرأ قصائده: "أنشودةُ الغرام"، و"تعاليْ"، و"شاهد عيان"، التي يقول فيها:
عند بابي أناخَ ليَرويَ لي كيف كان يُطَرِّزُ ثوْبَ السنين،
وكيف تَدَلَّت على كتِفيْهِ غُصُونُ الحنين،
يومَ شاهدهم يمتطون الحُروفَ ولا يرجعون،
يَهْرُبون، وثوبَ التسكعِ يَلْتَحِفُون،
وكانَ على وجنتيْهِ سؤالٌ بحجمِ العيون،
وآخرُ في شفتيهِ عليه غبارُ السكون،
وبينَ يديْهِ تماثيلُ منحوتةٌ من جليدٍ مُذَهَّبَةٌ بدموعِ القمر.
لاحَ في مُقْلَتَيْهِ وميضُ شُعاعٍ
أرادت له الشمسُ أن لا يكون،
فألقت عليه ستارتها،
ثم راحت تَمُدُّ خيوطَ البريقِ وتَصْنَعُ منها شِباكَ الأُفول.