في وقت ينشغل فيه النّاسُ والرّأي العام العربي والإسلامي بالأزمة في الخليج، فإنّ طبخة جديدَة تعدُّ على نار هادئة وترتيبات استراتيجيّة ترسم في البحر الأحمر وخليج عدن؛ ترتيبات بعيدة المدى تجعل المملكة العربيّة السّعوديّة في حالة تلاقي وتواصل مع ثُنائي "كمبْ ديفيد"، مصر وإسرائيل.
وللوقوف على ذلك، بودّي أنْ أذكّر ببعض المحطّات التي مرّت بها قضيّة جزيرتي "تيران وصنافير" ووضْعها الحالي.
لا يخفى على أحد أنّ الصّراع على جزيرتيْ "تيران وصنافير" والتحكّم في مضيق تيران ظلّ لسنوات طوال في قلب الصراع بين مصر وإسرائيل. ففي 1949، انتَهَت أوّل الحروب بين العرب وإسرائيل. وتحكّمت مصر في المنطقة بموجب اتفاق الهدنة المعروف باتفاق "رودس".
واستغلت مصر وضعها لتكبيد إسرائيل خسائر اقتصاديّة كبيرة من خلال سيطرتها على الممرات الملاحيّة.
فأغلقت قناة السويس في وجه الملاحة الإسرائيلية، وأجبرتها على اللجوء إلى طريق "رأس الرجاء الصالح" ما كبّدها خسائر كبيرة بسبب زيادة نفقات النّقل وإهدار الوقت.
وفي 1955، أعلنَتْ مصر بقيادة الرّئيس الرّاحل جمال عبد النّاصر أنَّ عبور ميناء العقبة يتطلب إذناً كتابيّاً منها، وهو ما لم تتحمّله إسرائيل التي شاركت في العدوان الثلاثي عام 1956 لإنهاء سيطرة مصر على قناة السويس ومضيق تيران، وفتح الطريق أمام السفن المتوجهة إلى موانئها.
انتهى العدوان الثلاثي، وعادت مصر مجدداً للتلويح بإغلاق خليج العقبة، وأغْلقَتْه فعلياً في 1967. واندلعت حرب يونيو 1967 التي تمكنّت خلالها إسرائيل من احتلال أراضي عربيّة جديدة، وفرضت سيطرتها على خليج العقبة باحتلال جزيرتي "تيران وصنافير".
واستمرّت سيطرتها على المنطقة إلى أن اسْتعادها الجيش المصري في حرب 1973. ولكنّ إسرائيل تمكنت من خلال البروتوكول العسكري لمعاهدة كامب ديفيد (1979) وضع الجزيرتين ضمن المنطقة (ج) تحت رقابة دوْليّة بالإضافة إلى بعض قوّات الشّرطة المصرية. وهي إذن منطقة منزوعة السّلاح وخاضعة لترتيبات تمنعُ التهديد مُجدّدا بإغلاق الملاحة في وجه السفن الإسرائيليّة.
اليوم، وقد أقرّت مصر رسمياً بسيادة المملكة العربيّة السعوديّة على الجزيرتين، فإنّ هذه الأخيرة سوف تجد نفسها موضوعيا في حالة تماسّ وتشاور وتَحاور مع إسرائيل، نظراً لإكراهات الوضع الجغرافي والأمني والقانوني المُعقّد للجزيرتيْن المحكومتين باتّفاقيّة "كامبْ ديفيد" ومُلحَقاتها... أو لِنقُل إنّها أصبحت من حيث ندري ولا ندري طرفاً معنيّاً بتطبيق "كامب ديفيد" على جزء من "أراضيها" !؟
الميادين نت