كيف يُتخذ القرار السياسي في الجزائر؟ | صحيفة السفير

كيف يُتخذ القرار السياسي في الجزائر؟

اثنين, 10/07/2017 - 17:28

الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة، كما يمكن توقعه، عندما يتعلق الأمر بنظام سياسي كالنظام الجزائري، معروف بعدم شفافية تسيير مؤسساته السياسية المركزية. 
نظام لم يتخلص، نصف قرن بعد الاستقلال، من ثقافة السرية التي ورثها عن مرحلة الثورة، التي عاشت في ظلها نخبه السياسية الحاكمة جزئيا حتى الآن. نخب استطاعت ان تعيد إنتاج هذه الثقافة داخل المؤسسات التي سيطرت عليها لوقت طويل ولغاية ما بعد الاستقلال بعقود.
رغم الصعوبة، سأحاول ان أقود القارئ في غياهب هذه الغابة المؤسساتية، للتعرف على كيفية اتخاذ القرار السياسي، انطلاقا من مثال معروف، حصل هذه الأيام ويتعلق الأمر بقرار رئيس الجمهورية، تنظيم دورة ثانية للبكالوريا للطلبة المتغيبين، الذين لم يصلوا في الوقت المحدد لانطلاق الامتحان.
قرار إقصاء هؤلاء المتغيبين، الذي دافعت عنه وزيرة التربية بشراسة داخل الوزارة وأمام الرأي العام قبل قرار الرئيس. الوزيرة التي عرف عنها، منذ تنصيبها على رأس القطاع، منذ سنتين «صرامة» كبيرة في التسيير، ظهرت على شكل «عسكرة» فعلية في تنظيم البكالوريا، لم تمنع من تسريب شبه كلي لاسئلة الامتحان السنة الماضية، وتسجيل الكثير من النقائص هذه السنة. لنكون للمرة الثانية على التوالي أمام إعادة تنظيم الامتحان، بكل ما يتطلبه من جهد ومال وأعصاب.
مفاجأة الوزيرة كانت كبيرة وهي تستمع الى الوزير الأول في مقر البرلمان، وهو يزف خبرا سعيدا للمواطنين الجزائريين كما قال، «فخامة رئيس الجمهورية، قرر تنظيم دورة ثانية للذين تم اقصاؤهم من البكالوريا، نتيجة التأخر في الوصول الى قاعات الامتحان». تصفيق عمّ القاعة، شارك فيه كل أعضاء الحكومة، إلا وزيرة التربية التي لم تصفق وعلامات الذهول بادية عليها، وهي تستمع لهذا الخبر الذي يزفه الوزير الأول للجزائريين. كالعادة وقف الجميع وهم يصفقون، للتعبير عن موافقتهم على هذا القرار، إلا وزيرة التربية التي تباطأت، بشكل واضح في الوقوف. لدرجة ان التلفزيون الحكومي الذي نقل الجلسة على المباشر، نظًف في المساء الصورة، من هذه اللحظات الحرجة التي عبرت فيها وزيرة التربية، بصدق ودون مونتاج عن ذهولها، هي التي كانت كل تصريحاتها الإعلامية ضد أي تنازل للمتغيبين او المقصيين من هذا الامتحان. 
كل الدلائل كانت تشير اذن إلى ان الوزيرة لم تُشرك في هذا القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية – الفرد، خارج كل مؤسسات الدولة، على غرار مجلس الوزراء، الذي أصبح لا يجتمع الا مرتين او ثلاث مرات في السنة، بعد تطور مرض الرئيس. رغم أهمية مجلس الوزراء كمركز قرار. الوزير الأول من جهته لم يكلف نفسه عناء إعلام الوزيرة بهذا القرار، قبل انطلاق الجلسة البرلمانية التي أعلنه فيها، ما كان يمكن ان يساعدها، على تقبل وقع القرار، قبل ان تسمع به على المباشر، مثل أي مواطن غير معني. مثال يُبين بشكل واضح فردانية اتخاذ القرار السياسي في الجزائر الذي يتم دون تشاور وخارج المؤسسات، التي كان يفترض ان يتخذ داخلها.
زيادة على عدم التشاور المسبق قبل اتخاذ القرار، الذي يكون خارج المؤسسات الرسمية، يمكن إضافة الى ذلك الكثير من النزواتية المرتبطة بحسابات سياسية فردية، لا يعلمها الا صاحب القرار، وعدم تقدير شروط تداعياته وتطبيقه على أرض الواقع. فقد كان الرئيس بن بله على سبيل المثال، يتخذ الكثير من القرارات المهمة، وهو يلقي خطبه على المواطنين في تجمعات عامة. عكس الرئيس بومدين الذي أصبح اتخاذ القرار عنده أكثر ترويا، حتى لو استمر اتخاذه في سهرات ليلية، خارج المؤسسات الرسمية، بين شلة من الرفاق والأصدقاء، كما كان يصف أعضاء مجموعة وجدة المقربين، ليصبح الشاذلي أقل قبولا للاستشارة، بعد عهدته الثانية مباشرة.
معلومات كثيرة، يمكن ان نستعرضها حول شروط اتخاذ القرار، سمحت بظهورها المذكرات السياسية، الصادرة عن فاعلين سياسيين كُثر في السنوات الأخيرة. عدت اليها وأنا أقوم بدراسة جماعية حول اتخاذ القرار في النظام السياسي العربي، ظهرت في بيروت في سنة 2010 في مركز دراسات الوحدة العربية، تحت اشراف الدكتورة نيفين مسعد، فقد علم مثلا وزير الداخلية، باعتقال الشيخين علي بلحاج وعباسي مدني في صيف 1991 من الصحافة اليومية وهو يتصفحها مثل غيره من المواطنين. كما تم إعلام الوزراء بإلغاء نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية، بعد ان اتخذ القرار بشأنها، خارج مجلس الحكومة، بين فاعلين عسكريين ومدنيين محدودين جدا. ليطلب رئيس الحكومة في آخر اجتماع لها من كل وزير، التعبير عن رأيه في القرار الذي لم يشارك فيه، بكل تداعياته الكارثية. وهو الرأي الذي لم يعبر عنه، حسب شهادة منشورة لوزيرة، كانت عضوا في نفس الحكومة، إلا عدد قليل من الوزراء، نتيجة اقتناعهم بأن القرار الذي يتجاوزهم كوزراء، قد اتخذ وانتهى الأمر.
أمثلة كثيرة يمكن عرضها حول التعيين في الحكومات المتعاقبة، فالوزير الجزائري مثلا يمكن ان يُضم للحكومة، دون ان يخبر قبل ذلك، أو يطلب رأيه في القطاع المعين على رأسه، ليسمع في التلفزيون، مثل أي موطن آخر، أنه عين وزيرا. فصاحب القرار الفرد، ليس وارد في ذهنه ان هناك من يعين وزيرا ويرفض، بالطبع الإبعاد من الحكومة يكون أكثر سريالية، كما حصل عند الإعلان عن آخر حكومة، بعد تعيين وزير السياحة فيها لمدة ساعات، اثناء عطلة الأسبوع، ليتم ابعاده عنها، بحجج كثيرة، في أول يوم عمل رسمي له، من قبل الرئيس نفسه ورئيس الحكومة نفسه اللذين عيناه.من ميزات صناعة اتخاذ القرار الأخرى في النظام السياسي الجزائري، أن صاحب القرار يتأخر كثيرا في اتخاذ قراره لتفادي تحمل تبعات النتائج. فالتسيير في هذا النظام يتم عن طريق التعفين، أي ترك الأمور تتعفن، ليأتي القرار في الأخير، من دون تبعات سياسية على من اتخذه، كما حصل عند تصفية القطاع العمومي الصناعي، الذي بيعت شركاته بأبخس الأثمان، لمن يملكون الصبر على انتظار توقيت اتخاذ القرار والمعلومة المناسبة في حينها. داخل نظام ريعي، تعطلت حاسة الإصلاح لديه، تلعب فيه العلاقات الزبائنية دورا أساسيا في الاستفادة من ريعه.أخيرا نظام من صفات اتخاذ القرار فيه، عدم مساءلة المؤسسات العميقة التي اتخذ القرار رسميا داخلها، ليعوض ذلك بتغيير شكلي في الواجهة المؤسساتية، التي تدفع ثمنه عادة، الحكومة وزراؤها ورئيسها. لإعطاء الانطباع بالتغيير، وليس التغيير. 

ناصر الجابي/ كاتب جزائري