ذكرتني تغريدات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش؛ التي تحدث فيها عن نصيحة الشيخ محمد بن زايد للشيخ تميم بأن لا يخسر السعودية؛ برواية قالها لي كاتب مصري؛ حينما استفسرت مندهشًا عن خلفيات موقف مصر من التطاول القطري بعد ثورة الثلاثين من يونيو؛ فكان رده أنهم كانوا في جلسة مع الشيخ محمد بن زايد؛ وأبلغهم أن ثقته كبيرة في الشيخ تميم؛ وطلب أن يصبروا عليه شهرين أو 3 فقط. بعد 4 سنوات من نكث الوعود بات واضحًا أن الشيخ تميم أمير قطر فشل فشلًا ذريعًا في التخلص من سيطرة الأمير الوالد الشيخ حمد، الذي ما زال يحرك من خلف ستار شفاف خيوط مسرح العرائس الذي يتزعمه الشيخ تميم بالريموت كونترول. ولم يكن سرًا يومًا لدى دوائر صنع القرار الخليجية أن تنازل الشيخ حمد لولي عهده الشيخ تميم ليس سوى خطوة مسرحية للتخلص من حرج تسريبات التآمر مع القذافي ضد مصالح المملكة العربية السعودية؛ لما لم يعد لدى الأخيرة أدنى شك بحقيقة المؤامرة الساعية لإسقاط الحكم؛ ضمن مخطط كشفت التسريبات أنه كان يستهدف أغلب الدول العربية. ومع أن دوافع الهجمة الشعواء للإعلام القطري على دولة الإمارات العربية المتحدة وخاصةً الشيخ محمد بن زايد؛ لا تحتاج لذكاء اصطناعي لتفسيرها؛ فقد أردت أن ألفت نظر القارئ لبعض الحقائق، تفسر الجانب الظاهر لهذه الحملة؛ وإنما نحكم بالظواهر والله يتولى السرائر. لنعد قليلا إلى الوراء لنُفَصل أسباب هذا الحقد القطري على الإمارات وقيادتها السياسية، صاحبة المشروع الذي يعتمد في أساسه وجوهره على الإنسان، انطلاقًا من الآية القرآنية والقاعدة الدينية "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" وبذلك شهد القاصي والداني؛ فهذا المشروع يرتكز على 3 أعمدة أساسية: الاقتصاد، والاعتدال الديني، وقوة المرحوم الشيخ زايد الناعمة، التي ترتكز على نشر الخير والسلام في أرجاء المعمورة؛ وهنا أذكر حديثًا لأحد شيوخ "التبو"، قد بلغ من الكبر عتيًا في قرية قرب أم الأرانب على حدود تشاد مع ليبيا، لمَّا أراد أن يتعرف على القناة التلفزيونية التي أعمل فيها قلت له: إنها إماراتية؛ رد متأثرًا: "بلغهم سلامي بلاد الشيخ زايد رجل الخير والمحبة رحمه الله". بعد 4 سنوات من نكث الوعود، بات واضحًا أن الشيخ تميم أمير قطر فشل فشلًا ذريعًا في التخلص من سيطرة الأمير الوالد الشيخ حمد، الذي ما زال يحرك من خلف ستار شفاف خيوط مسرح العرائس الذي يتزعمه الشيخ تميم بالريموت كونترول لقد أثبت هذا المشروع رغبته في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة المتقدمة على جميع الدول العربية؛ والتي أصبحت مركزًا تتعلم منه الحكومات العربية كيفية الاستثمار في الإنسان؟ ففي الإمارات وحدها تُعقد قمم تطوير الأداء الحكومي؛ وأخرى لتسخير التكنولوجيا لخدمة الإنسان؛ كما باتت الإمارات مركزًا ماليًا دوليًا لخدمة التجارة والاقتصاد العالمي. هذه الثورة الداخلية صاحبتها نظرة ثاقبة وغيورة من القيادة السياسية الإماراتية؛ امتدت لتكشف أسباب تنامي ظاهرة الإرهاب في الوطن العربي، وتنامي ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، ما أثمر عن جهود جبارة لإصلاح ذات البين، ومكافحة الإرهاب، والاعتصام بحبل عربي واحد؛ وكان منطقيًا ألَّا يروق هذا المشروع لدولة قطر، التي صرفت الأموال الطائلة طيلة 20 عامًا على مشروعها الخاص. أبرز ملامح المشروع القطري هذا، بقيادة الأب الروحي، الأمير الوالد الشيخ حمد، هي إسقاط الحكم في السعودية، وتسليم الحكم لتنظيم الإخوان في مصر وليبيا وتونس وسوريا والإمارات؛ وتسليم الحكم للشيعة في البحرين؛ واستغلال المنظمات الإرهابية التي تتبنى الفكر التكفيري المتشدد، لإسقاط هذه الدول وتنصيب حليفها الإرهابي المتسيِّس، تنظيم الإخوان، في سدة الحكم، والسيطرة على منابع الغاز والنفط في الوطن العربي. كل هذه المشاريع كانت تسير بخطى ثابتة، وبمساعدة من دول غربية؛ أو على الأقل أجنحة سياسية في الغرب؛ وتصرف عليها الدوحة مليارات الدولارات؛ كما يوازيها مشروع إعلامي ضخم، للسيطرة على عقول الشعوب العربية، من خلال الترويج لقطر كحامٍ لحمى الإسلام وثوابت الأمة -ويأبى الله ذلك- وإظهارها كمشكاة يشع منها نور المُثل في الوطن العربي. وبما أن الطموح السياسي القطري للسيطرة على الوطن العربي ستُسفك فيه الدماء، وتزهق فيه الكثير من الأرواح؛ ويشرد الملايين من المواطنين؛ وتقطع فيه أرزاق الملايين، كان لابد من هيئة دينية دورها أن تضع طابع "حلال" على كل ذلك، وتلوي أعناق الآية والأحاديث في سبيل ذلك؛ وهكذا أنشأت الدوحة مركزًا دينيًا أسمته الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، من أجل إضفاء صبغة دينية على طموحات الشيخ حمد بن خليفة، لا أكثر. كانت القيادة السياسية في الإمارات بالمرصاد لمشاريع قطر التخريبية في الوطن العربي؛ وكانت أول من تنبه لخطورة الإرهاب، وضرورة مكافحته، دون التمييز بين المسلم وغير المسلم؛ والسني والشيعي؛ فوقفت الإمارات دون طموحات الشيخ حمد جميعها، ووضعت الحواجز دون تنفيذها.. دعمت أبوظبي السعودية وجعلتها الشقيقة الكبرى، قولًا وفعلًا، كما وقفت مع مصر وحالت دون خرابها؛ ووقفت مع ليبيا دون أن تكون دولة الأشرار في خاصرة مصر وحضن المغرب العربي... دعمت الأزهر الشريف وأعادته نبراسًا مضيئًا ليباشر دوره الحقيقي والأصيل بنشر الوسطية والإسلام المعتدل. لقد خسر الشيخ حمد بن خليفة تريليونات الدولارات التي أنفقها على مشاريعه التخريبية؛ فأصبح يُقلب كفيه على ما أنفق فيها؛ وبالمقابل ربحت الأمة العربية والإسلامية الكثير؛ وسلمت أجيالًا قادمة، بفضل نظرة ثاقبة ونبتة طيبة خرجت من أرض زايد؛ وبذلك يكون مشروع الشيخ حمد بن خليفة "ذو الألف وجه في الشر" مستنبطًا من نص الآية الكريمة (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) أمَّا مشروع الشيخ محمد بن زايد "ذو الوجه الواحد في الخير" فقد عمل على مضمون الآية الكريمة (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).. فلتعذروا قطر في هجومها على الإمارات، لأن جُرح الشيخ حمد الأمير الوالد عميق جدًّا.