عندما يذكر اسم الداعية الإسلامي أحمد ديدات، لا يعرف عنهُ كثيرون سوى مناظراته، التي شاهدها على شاشات التلفزيون، أو مقاطع الفيديو التي يتداول بعضها على الشبكات الاجتماعية، بينما لا يعرفون الكثير عن نشأته وبداياته أو السبب الذي جعله يتجه إلى الدعوة والدفاع عن الإسلام.
لذا، في هذا التقرير نحاول إلقاء نظرة أقرب عن حياة الداعية الإسلامي الشهير:
من الهند إلى جنوب إفريقيا
في عام 1918، ولد أحمد حسين ديدات في بلدة "تادكيشنار" بولاية سوارات الهندية. وبعد ولادته مباشرةً، سافر والده إلى جنوب إفريقيا ليعمل خياطاً هناك. وفي عام 1927، سافر ديدات إلى جنوب إفريقيا ليلحق بأبيه؛ لصعوبة الحصول على فرصة للدراسة في الهند، وبعد سفره بشهور قليلة، رحلت والدته. وفي عام 1934 التحق بالمركز الإسلامي في ديربان، حيث درس القرآن الكريم وعلومه وأحكام الشريعة الإسلامية.
ترك ديدات الدراسة عندما وصل للصف السادس، بسبب الظروف المادية الصعبة لأسرته، وعمل في محل لبيع الملح لمساعدة والده، ثم انتقل بعد ذلك للعمل سائقاً في مصنع للأثاث، ثم كاتباً، حتى وصل إلى منصب مدير المصنع.
وخلال هذه الفترة، التحق ديدات بدورات تدريبية للمبتدئين في صيانة الراديو وأُسس الهندسة الكهربائية، وفي عام 1949، قرر الرحيل إلى باكستان، حيث عمل في معمل للنسيج، وتزوج وأنجب طفلين، وبعد فترة قرر العودة مرة أخرى إلى إفريقيا، حتى لا يفقد تصريح الإقامة؛ خاصةً أنه ليس من مواليد جنوب إفريقيا.
"دكان الملح" نقطة التحول نحو الدعوة للإسلام
مع أن عمل ديدات بائعاً في دكان الملح، بعد تركه للدراسة كان يبدو في ظاهره نقمة، لكنه كان البداية الحقيقية لحياة جديدة. فبالقرب من دكان الملح الذي يعمل فيه كانت "إرسالية آدمز ميشين" لتأهيل وتدريب المبشرين المسيحيين، وكان طلاب الإرسالية يأتون للمحل، ويطرحون عليه وعلى بقية عمال المحل أسئلة كثيرة يهاجمون بها الدين الإسلامي. وكان ديدات لا يعرف إجابة هذه الأسئلة، لذلك قرر أن يدرس الإنجيل دراسة جيدة، وبدأ يقارن بينهُ وبين القرآن، حتى يستطيع الرد عليهم.
بجانب دور طلاب إرسالية آدمز، كان هناك عامل آخر رئيس، وهو عثور ديدات على كتابإظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي الكيرواني، وهو الكتاب الذي استمد ديدات منه أسلوبه الفريد في المناظرات والحوارات مع المسيحيين واليهود لمناقشتهم، والمقارنة بين الإنجيل والتوراة والقرآن. وكان لهذا المنهج أثراً مهما في اعتناق عدد كبير للإسلام؛ لذلك قرر ترك عمله والتفرغ للعمل الدعوي للدين الإسلامي.
دروس السيد فيرفاكس
في الخمسينيات من القرن الماضي، وفي مدينة ديربان بجنوب إفريقيا كان ديدات يحضر كل أسبوع "حديث الأحد"، وهي عبارة عن محاضرات دعوية، يتراوح جمهورها ما بين 200 و300 فرد. وبعد انتهاء هذه التجربة بفترة، اقترح رجل بريطاني اعتنق الإسلام، يسمى فيرفاكس، على ديدات إقامة محاضرات تحت عنوان "فصل الكتاب المقدس"، تقوم على المقارنة بين الديانات المختلفة. واختار فيرفاكس 20 شخصاً من الذين كانوا يحضرون معهُ حديث الأحد لتلقي مزيد من العلم.
ظلت هذه الدروس مستمرة حوالي شهرين، ثم تغيب فيرفاكس عن الحضور بعد ذلك، فاقترح ديدات على الطلاب أن يقوم بالتدريس لهم، لأنه لديه خبرة في هذا المجال، وظل ديدات يلقي المحاضرات لمدة ثلاث سنوات كل يوم أحد.
ويتحدث ديدات عن هذه الفترة ويقول: "اكتشفت أن هذه التجربة كانت أفضل وسيلة تعلمت منها، فأفضل أداة لكي تتعلم هي أن تُعَلِّم الآخرين، والرسول محمد يقول: (بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَة). إن سرّاً عظيماً يكمن وراء ذلك؛ فإنك إذا بلَّغت وناقشت وتكلمت، فإن الله يفتح أمامك آفاقاً جديدةً، ولم أدرك قيمة هذه التجربة إلا فيما بعد".
مناظرات مع رجال الدين المسيحي
مؤلفات ومراكز حوار الأديان
ألف ديدات أكثر من 20 كتاباً، من أشهرها كتاب "هل الكتاب المقدس كلام الله؟" وطبع الملايين من كُتبه لتوزيعها بالمجان. كما أسس المركز الدولي للعودة الإسلامية بمدينة ديربان في جنوب إفريقيا، ولا يزال لهذا المركز دور في مجال الدعوة وحوار الأديان حتى بعد وفاته.
كما حصل ديدات على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في عام 1986، بالإضافة إلى منحه لقب أستاذ نتيجة لجهود الكثيرة في مجال الدعوة للإسلام.
مرضه ورحيله
في عام 1996، كانت آخر رحلات ديدات الدعوية إلى أستراليا، حيث عقد كثيراً من المحاضرات والمناظرات، وبعد عودته من هذه الرحلة أصيب بسكتة دماغية سببت له شللاً كاملاً، فاضطر لملازمة الفراش، وكان يتواصل مع أسرته ويناقش ضيوفه عن طريق لغة خاصة تشبه النظام الحاسوبي، فكان يحرك جفونه سريعاً وفقاً لجدول أبجدي يختار منهُ الحروف، ويكون منها الكلمات ثم الجمل.
وفي الثامن من أغسطس/آب 2005، انتهت رحلة ديدات الطويلة في الدعوة للدين الإسلامي.