يجمع مراقبو الساحة السياسية الموريتانية حاليا على توجه المشهد السياسي الموريتاني نحو المزيد من التأزم والاحتقان ضمن مخاضات ما بعد الاستفتاء الذي طويت صفحة نتائجه على تعديلات دستورية يرفضها المعارضون، وإن كانت الحكومة أخرجتها في ثوب انتخابي مقبول.
ويعتمد المراقبون في نظرتهم التشاؤمية هذه على عناصر عدة في مقدمتها مضامين البيان الذي أصدرته النيابة العامة، الذي أكدت فيه «فتحها تحقيقات ابتدائية معمقة وشاملة، تتعلق بالتمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود».
وعضدت توقعات مراقبي الساحة، معلومات نشرتها أمس وكالة «الطواري» الإخبارية الموريتانية المستقلة بخصوص التوجه نحو توسيع ملف اعتقال السيناتور محمد ولد غده خلال الأيام المقبلة بإصدار السلطات مذكرات توقيف دولية ضد بعض المعارضين في الخارج.
وتوقعت «الطواري» أن تشمل مذكرات التوقيف بحر الأسبوع الجاري كلا من محمد ولد بوعماتو رجل الأعمال الموريتاني (حامل جنسية فرنسية، مقيم في مراكش)، ومحمد ولد الدباغ المدير التنفيذي لمجموعة «بوعماتو» المصرفية، وأحمد باب ولد اعزيزي رئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين».
وتوقعت كذلك «أن تقوم السلطات القضائية والأمنية باستجواب بعض الشيوخ ونائب معارض في الجمعية الوطنية ورؤساء أحزاب سياسية ومعارضين آخرين».
وأكدت «الطواري» في تحليلها أن «هدف السلطات من توسيع ملف السيناتور ولد غده ليشمل الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التسجيلات التي سربتها السلطات مؤخرا، هو أولا، تصفية حسابات ضيقة مع بعض معارضي النظام، وإشغال الرأي العام عن قضية الاستفتاء التي كثر اللغط فيها مؤخرا خاصة ما يتعلق بتزويرها وعدم مصداقية الأرقام الرسمية المنشورة عنها».
وفي تحليل للمشهد السياسي الموريتاني، أكدت صحيفة «لاتريبون دفريك» الآنية المستقلة «أن موريتانيا الجنرال محمد ولد عبد العزيز قطعت خطوة نحو النظام الشمولي بعد اعتقال السناتور الشهير ذي الشعبية الكبيرة محمد ولد غده في ظروف تذكر بالأوضاع الظلامية التي مرت بها موريتانيا في وقت سابق». وأضافت الصحيفة «لقد تحول السناتور محمد ولد غده المعارض الشرس لنظام ولد عبد العزيز والرافض المتشدد للتعديلات الدستورية، خلال الأشهر الأخيرة إلى الوجه المعارض الأبرز للرئيس ولد عبد العزيز».
وأرجعت «لاتريبون دفريك» نقلا عن مصادر مقربة من النظام، «انعطاف نظام ولد عبد العزيز نحو التشدد لعوامل منها اضطراره لتنظيم استفتاء شعبي بعد أن تحدته غرفة الشيوخ ورفضت تعديلاته الدستورية في مارس الماضي».
وتؤكد مصادر الصحيفة «أن الرئيس ولد عبد العزيز فقد سندا قبليا كبيرا لنظامه بعد أن ألغى غرفة الشيوخ التي ينتمي كل عضو فيها لقبيلة قوية، فهو بهذا الإجراء يهاجم أسس الصرح الاجتماعي الموريتاني المعقد».
وأكدت «لاتريبون دفريك» أن انعطاف النظام الموريتاني الحالي لا تقلق العائلات الموريتانية الكبيرة فحسب بل إنها لفتت أنظار القوى الدولية الكبرى خاصة فرنسا والولايات المتحدة اللتين تنظران بعين حذرة لتطورات الأوضاع الموريتانية».
«وتخشى فرنسا والولايات المتحدة، تضيف «لاتريبون دفريك»، أن يسلك نظام ولد عبد العزيز، تحت ضغط الضائقة المالية والحالة الغذائية الحرجة، الطريق الذي سلكته من قبل «فنزويلا مادورو»، فيتوجه نحو قمع معارضيه، ونحو بناء معماري دستوري يمكنه من تهميش المعارضة».
ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الخارجية الفرنسية قوله: «إن عزيز سيفتح طريقا مصطنعة للمأمورية الثالثة، ومن ذلك أنه قد يدعي بأن الدستور المعدل ليس هو الدستور الذي انتخب على أساسه وأن حساب الدورات الرئاسية يوجد اليوم على نقطة الصفر، وعلى الأساس يترشح مرة أخرى، وبما أن هذا المسوغ مزيف فإنه سيطلب من أنصاره أن يدافعوا عنه».
هذا وقد أسال الاستفتاء الدستوري الموريتاني وما سبقه وما هو متوقع بعده، حبرا كثيرا، حيث تناولته الصحف الأسبوعية أمس من مناظير مختلفة أجمعت في غالبها «أن هذا الاستفتاء ليس موافقا لما كان يرغب فيه النظام».
وأكدت صحيفة «لرنوفاتير» المستقلة «أن الشعب الموريتاني رفض الاستفتاء وأن ما صاحب حملته يؤكد ذلك حيث كان قمع المعارضين سيد الموقف».
واختارت أسبوعية «لفي هبدو» عنوانا لتحليلها للوضع «استفتاء الخامس أغسطس: خيبة أمل عزيز».
وأكدت أسبوعية «لوكلام» في افتتاحيتها أمس «أن الاستفتاء أظهر محدودية شعبية الرئيس وفشل مساعدي الرئيس في تعبئة السكان وإقناعهم».
واتهمت، الرئيس بتبني موقف غامض إزاء انتخابات 2019 التي من المفترض دستوريا أن يغادر السلطة بعدها، وأضافت «يمكن للرئيس أن يغير الدستور ليبقى في الحكم، لكن قد تكون الانعكاسات بالغة الخطورة».
أما صحيفة «لاتريبون» المقربة من السلطة فقد ذهبت مذهبا آخر حيث أكدت «أن الاستفتاء يؤسس لموريتانيا جديدة»، وأضافت «كل هذه التطورات ستؤدي لانصهارات عميقة، وستدفع شركاء الساحة لاستخلاص الدروس وللتحضير الجيد لانتخابات 2019».
وتابعت تقول: «إذا كانت الأوضاع تدفع تُجاه إعادة التأسيس، فماذا سيكون موقف المعارضة؟؛ فهل سيبقى دورها محصورا في زعزعة النظام؟، رافضة التفكير في برنامج موحد ومرشح موحد، ومبتعدة عن حوار داخلي بناء يجعلها تحدد برنامجها وأهدافها للمرحلة المقبلة».
وختمت « لاتريبون» افتتاحيتها قائلة: «هناك في النهاية تحد يواجهه كل من النظام والمعارضة معا هو أن عليهما أن يصلحا ليغيرا».
«القدس العربي»