خلال الأزمة بين معمر القذافي والمملكة العربية السعودية زار وفد إيراني العاصمة الليبية طرابلس؛ لتنسيق الجهود، وقد استُقبل وفد الولي الفقيه من معمر القذافي، ودار نقاش حول العداء المشترك بين الطرفين للمملكة العربية السعودية على غرار النقاش الذي دار بين القذافي والحمدين.
أبلغني أحد أركان نظام معمر القذافي "أن رئيس الوفد الإيراني بدأ حديثه بمقدمة طويلة شرح فيها أن الموقف الإيراني من السعودية عميق ومتجذر، ولا يتعلق بأشخاص أو حادثة معينة، بل هو صراع ديني وسياسي"، يبدو أن الوفد الإيراني أراد أن يقول لمعمر القذافي نحن لسنا مثلكم؛ أنتم تريدون القصاص من حادثة واحدة ونحن لدينا مشكلة مع جميع أركان الدولة سياسيا ودينيا.
تذكرت هذه القصة وأنا أشاهد السفير القطري يستأنف عمله في إيران، الدولة التي شهد القاصي والداني بحقدها على دول الخليج العربي؛ وتجاهر بأطماعها في هذه الدول وتسعى لتصدير ثورة نظام الولي الفقيه لها.
والواقع أن ذلك التحالف ليس تحالف قطر المثير؛ فالمراقب الموضوعي يحار عندما يقف على حلفاء قطر، ويبحث فيما يجمع هؤلاء الحلفاء وما السر الذي يربط قطر بهم.
معلوم أن السياسة مصالح، فأينما تكون مصلحتك تتجه؛ وكما يقُال لا عدو ولا صديق دائمان في السياسة، لكن هذه القاعدة تصدق عندما تكون المصلحة في التحركات السياسية من أجل الشعوب، أما في الحالة القطرية فالأعداء والأصدقاء جميعهم من أجل هدف واحد هو تنفيذ رغبات تنظيم الحمدين، الحاقد على المملكة العربية السعودية ومن يقف معها.
تتحالف قطر مع تنظيم الإخوان وما يتفرع عنه من حركات إرهابية متشددة؛ كما تتحالف مع إيران والكيان الصهيوني، وليس غريبا أن هذه الكيانات الثلاثة يجمعها العداء للمملكة العربية السعودية، وتلك ميزة مهمة تأتي في أولوية اهتمامات صانع السياسة الخارجية القطرية؛ فلابد أن يكون الشريك عدوا للسعودية لتنفيذ نيات الأمير الوالد؛ وليس سرا أن قطر دعمت الحركات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان نكاية في المملكة العربية السعودية أولا وقبل كل شيء.
تتحالف قطر مع تنظيم الإخوان وما يتفرع عنه من حركات إرهابية متشددة؛ كما تتحالف مع إيران والكيان الصهيوني، وليس غريبا أن هذه الكيانات الثلاثة يجمعها العداء للمملكة العربية السعودية، وتلك ميزة مهمة تأتي في أولوية اهتمامات صانع السياسة الخارجية القطرية
وهكذا تحالفت قطر مع إيران التي تشاركها العداء للمملكة، وجميعنا نذكر هجوم الولي الفقيه في إيران على السعودية في الأيام نفسها من العام الماضي؛ حيث وصفها "بالشجرة الملعونة والمتلاعبين السياسيين الذين لا يعرفون الله"؛ آنذاك كانت قطر تقطع علاقتها بإيران، مدّعية التضامن مع السعودية، لكن أحداث اليوم تدل على أن الولي الفقيه أدخل السرور والفرحة على نظام الحمدين بذلك الخطاب.
أما الكيان الصهيوني فقد نسج نظام الحمدين خيوط العلاقات معه على إيقاع صراخ أطفال غزة ونباح إعلام الدوحة ووضع القضية الفلسطينية في مقدمة اهتمامات الشعوب، وتخوين الأنظمة المطبعة في ذلك الوقت، والتهديدات التي تواجه المسجد الأقصى، وفيما كانت تلك الحملة الترويجية على أشدها؛ كانت الدوحة تعزز أواصر علاقاتها مع المسؤولين في تل آبيب.
تعلم الدوحة أن الكيان الصهيوني يعتبر السعودية عدوه الأول في المنطقة؛ فهي الداعم الأول للقضية الفلسطينية -فعلا لا قولا-، كما لا يمكن للمملكة بأي حال من الأحوال التقارب مع الكيان الصهيوني المحتل إلا بعد تنفيذ المبادرة العربية للسلام، التي طرحها الملك عبد الله رحمه الله، ويمكننا القول إن ذلك من المستحيلات على الأقل في زمان الناس هذا.
هذه الكيانات الثلاثة تشترك بأنها كيانات دينية كهنوتية، تعتبر نفسها الناطق باسم الرب في الأرض؛ فجماعة الإخوان وأخواتها تطمح لدولة دينية سنية، وإيران تطمح لدولية دينية شيعية، والكيان الصهيوني يطمح لدولة دينية يهودية، أما قطر فتطمح -فقط لا غير- للإضرار بالسعودية؛ وزعزعة كيانها كدولة.
قطر دولة عربية أصيلة، شعبها عربي وأرضها عربية، لكنها ابتُليت بنظام استغل خيراتها وشعبها الطيب لتنفيذ أحقاده على المملكة العربية السعودية ومن يقف معها، خصوصا دولة الإمارات العربية المتحدة؛ وفي سبيل ذلك أنفق ما كان يمكن أن يُعبد شوارع قطر كلها بخالص الذهب، ويجعل منها إرم ذات عماد هذا العصر؛ كما اعتمد على مجموعة من المرتزقة والحلفاء الأندال، الذين لا يرون في قطر إلا صرافا آليا، يضعف دولته وأمته وأشقاءه، لتلبية حقد شخصي، غايته النيل من الحكم في المملكة العربية السعودية.
وهنا لا مناص من التأكيد على أن من يطمح لزعزعة الاستقرار في بلاد الحرمين الشريفين، يتجاهل تلبية الله دعوة إبراهيم عليه السلام: "ربّ اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات"؛ ويحاول القفزَ على الحقائق الجيوسياسية.