بعد عقود من تحليل آلية العقل العربي توصل المفكر العربي الأنواري الكبير محمد عابد الجابري إلى أن العقل العربي جنح في مراحل كثيرة من تطوره إلى قبول الحاكم المستبد العادل، وشدد أصحابه على مبدأ العدالة وأهمية توفرها للحاكم، في سعي دائم لتكييف خطاب العدالة السلطانية عند المفكرين العرب والمسلمين.
مع أجماع مفكري المجتمع الإنساني على الدور المرجعي الكوني للعدالة في حياة الإنسان وسط المجتمع الطبيعي، وعلاقته مع من يتولون تسيير أموره العامة. ومن هؤلاء عالم عاش في هذه الجانب من الوطن العربي والعالم الإسلامي هو أبو بكر محمد بن الحسين الحضرمي المرادي الذي صنف العدل في كتابه المشهور ( السياسة ) إلى ثلاثة أصناف تلائم السياسة التي يتبعها كل سلطان، وهي عدل أمانة، وعدل جور، وعدل تخليط وإضاعة..
واعبر في الصفحة 34 من كتابه النفيس أن الصنفين الأخيرين هما (عدالة مائعة يكون هدف السلطان فيها المتعة المادية والحسية على حساب الرعية، لذلك وصفت هذه العدالة بأنها لذة ساعة ودمار دهر).
ولا يبدو من واقع الحال وما تتداوله المواقع والصحف اليومية من أخبار وصور عن حفلات البذخ والتبذير وما تنشره في الوقت نفسه من صور نقيضة لها من واقع البؤس والفقر المدقع المهين لكرامة الإنسان في المدن والأرياف.. إلا أن ما لدينا من عدالة يزداد تماهيا كل يوم مع ما وصفه هذا العالم الجليل دفين منطقة أزوكي بولاية آدرار في نهاية القرن الخامس الهجري، يتماهى مع ما لدينا من عدالة في النصف الأول من القرن الخامس عشر الهجري،وفي عهد كان شعار أصحابه المركزي هو العدل ومحاربة الفساد، لكن ممارستهم أكدت خلال عقد من السنين أن رفع شعار معين قد لا يترتب عليه بالضرورة تطبيقه، بل يخشى الآن تطبيق نقيضه المنذر حسب الحضرمي ب لذة ساعة للحاكم وحده، ومن يدور في فلكه، ودمار دهر بالنسبة للجميع.
افتتاحية حزب الصواب: 04/10/2017