طفت على السطح منذ مقاطعة الدول العربية لقطر معلومات وحقائق عدة؛ كانت تحجبها التقية التي يمارسها نظام الحمدين، أسوة بحليفه نظام الولي الفقيه... بعض هذه الحقائق فضحته دول المقاطعة؛ وبعضها انكشف بفعل تخبط الدوحة وارتباكها، وهي تخصف عليها من التلفيق والدعاية لتستر سوءتها.
استثمرت قطر مليارات الدولارات في تكوين ماكينة إعلامية ضخمة، بدأتها بقناة الجزيرة ولا يمكن لأحد أن ينكر أنها استطاعت أن تأسر قلوب الكثير من المواطنين العرب في العقد الأول من نشأتها، لكن هذه الثقة بدأت تنقص بعد القرار القطري استغلال مصداقية هذه القناة لأغراض السياسية، وقد بدأت تلك المرحلة في العقد الثاني من إنشاء هذه القناة، وتحديداً مع بداية تكشُف المشروع القطري لتمكين تنظيم الإخوان في الوطن العربي، ودعم الجماعات الإرهابية المتبنية للفكر الوهابي نكاية في المملكة العربية السعودية، والتآمر عليها كما كشف الشيخ حمد في تسجيله الشهير مع القذافي.
لحقت ذلك مرحلة إرهاصات ما سمي بالثورات العربية، وامتدت إلى ما قبل الأزمة القطرية وقد خسرت فيها الجزيرة جزءاً كبيراً من مصداقيتها عند المشاهد العربي، لكن المرحلة التي أفاضت الكأس هي الأزمة الحالية، وخصوصاً تعامل قناة الجزيرة مع ملف اليمن.
قطر تحاول جاهدة تشويه سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن الحظ لم يحالفها بعد، بل على العكس، كانت رائحة الحقد تفوح من جميع هذا الجهد الإعلامي الضائع، حيث لم تستطع الماكينة الإعلامية التي صرفت عليها قطر مليارات الدولارات إنجاز تقرير واحد مقنع للمشاهد، أو يضع دولة الإمارات في دائرة الشك.
بعد سنتين من الإشادة بدور التحالف العربي في اليمن، والترويج لمهمته المنقذة للشرعية ـ فجأة وبقدرة قادرـ انقلبت السياسة التحريرية لهذه القناة مئة وثمانين درجة، لا لشيء سوى أن دولة قطر أُبعدت من التحالف العربي، وبذلك أصبحت مهمتها بعد هذا الإبعاد، قتل اليمنيين واحتلال أرضهم ونهب ثوراتهم.
أما القشة التي قسمت ظهر الثقة نهائياً، بين الجزيرة ومشاهديها، فكانت سلسلة التقارير التي أعدتها القناة عن أرخبيل سقطرى، وتحضر لإطلاق سلسلة جديدة حول الساحل الغربي في اليمن .
حاولت الجزيرة أن تتصيّد أخطاء مزعومة لدولة الامارات العربية المتحدة، لكنها لم تفلح في ذلك، حيث تحدثت تقاريرها عن محاولة الإمارات فرض سيطرتها في الجزيرة، دون إذن من الحكومة الشرعية، لكن القناة لم تستطع إظهار رأي مسؤول حكومي واحد تدعم به وجهة نظرها، كما تحدثت التقارير عن شراء الإمارات لأراضٍ شاسعة في سقطرى، ولم تجد من الأدلة إلا أرضاً لمواطن يمني بسيط، يدعى يحيى، قال إنه باعها ابتغاءَ مرضاته لشخص اسمه أبو مبارك، ولم يُقصر معه حسب كلام صاحب الأرض، لكن البائع يحيي لم يُحدد جنسية المُشتري أبو مبارك.
تحدثت التقارير أيضاً عن احتكار الإمارات لوكالات السياحة في سقطرى، وجاءت بشهادة صاحب وكالة يشتكي ركود سوق السياحة؛ وهو أمر طبيعي، إذ لا معنى لازدهار السياحة في ساحة حرب .
كانت قمة المفاجأة تقريراً مضحكاً يظهر خمسة أشخاص، ادعت الجزيرة أنهم قوات الشرعية التي يجب أن توكل لها مهمة تأمين الجزيرة؛ لكن الإمارات وقفت دون ذلك بتدريبها قوات خاصة تتبع لها .
في تقرير آخر ظهر شاب ادعى أنه سافر إلى الإمارات لكنه لم يوفق في العمل بسبب ضعف الراتب، ولا أدري ما ذنب الإمارات في ذلك؛ كما حاول تقرير آخر إظهار أن شركة الاتصالات الإماراتية تنافس شركة الاتصالات اليمنية؛ لكن العجيب هنا أن التقرير يذكر أن الأعاصير دمرت ثمانين في المائة من الشركة اليمنية؛ وأظهر التقرير شخصاً يقول إن الاتصالات الإماراتية وفرت لهم الاتصالات والإنترنت .
تحضّر القناة سلسلة تقارير حول الساحل الغربي لليمن، وتحمل عنوان (أبوظبي تسيطر وتهجّر) تدعي الجزيرة فيها أن الإمارات قامت بتهجير السكان، وأقامت منشآت عسكرية، كما تروّج أن الإمارات تمنع الصيادين من ممارسة نشاطهم، وذلك بحجة حماية مواقعها العسكرية على الساحل الغربي لليمن، وكل هذا، وللأمانة، على عكس الواقع تماماً.
فالواقع هناك هو أن هؤلاء النازحين فروا من مناطق المواجهات، وهجّرتهم ميليشيا الحوثي، بعد أن احتلت قراهم، وهم يتواجدون الآن في مناطق تقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، كالمخا، وذوباب، وعدد من القرى التابعة للمدينتين، وقد تلقوا الكثير من المساعدات الإنسانية من دولة الإمارات.
أما سكان المخا فقد عادوا إلى مدينتهم ويعيشون أوضاعاً أفضل بكثير من وضعهم قبل الحرب، حيث تكفّل الهلال الأحمر الإماراتي ببناء مساكن للذين تضررت منازلهم، وقد شهدنا جميعاً تسليم المرحلة الأولى من هذه المنازل، بحضور رئيس الحكومة الشرعية، فيما يستمر العمل في المرحلة الثانية من هذه المساكن.
عاد الصيادون للعمل مجدداً في السواحل دون فرض أي رسوم عليهم، خلافاً لما كان يفرضه الحوثيون من إتاوات تصل الخُمس من المحصول, مع توفير المحروقات لهم بالأسعار الرسمية، دون المضاربات في السوق السوداء كما يحدث في بقية المناطق .
البدو الرحل والرعاة، فئة كانت منسيّة من المجتمع اليمني، لم تصل إليها أي مساعدات، سواء قبل الحرب أم بعدها، وتمت إغاثتهم من طرف الهلال الأحمر الإماراتي، حيث وفر لهم المسكن والملبس و المأكل والمشرب.
كان من الواضح أن الصور واللقاءات التي حصلت عليها الجزيرة من أرخبيل سقطرى والساحل الغربي، لم تُسجّل لغرض الإساءة للإمارات، وهذا ما صعّب من مهمة مُعدي التقارير، حيث كان النص في واد والصورة في واد.
الحقيقة أن قطر تحاول جاهدة تشويه سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن الحظ لم يحالفها بعد، بل على العكس، كانت رائحة الحقد تفوح من جميع هذا الجهد الإعلامي الضائع، حيث لم تستطع الماكينة الإعلامية التي صرفت عليها قطر مليارات الدولارات إنجاز تقرير واحد مقنع للمشاهد، أو يضع دولة الإمارات في دائرة الشك.