علي هذه الارض المنكوبة بأحذية العسكر الخشنة " الرينجر " لا بريق من أمل يظهر يوما في الأفق، وكأن الأرض ابتلعته ليختفي دهرا في ظلام الفساد و الجبروت ، ويتلاشي في دوامة لا مبالات .. فما إن تبحر سفينة الديمقراطية و الحرية بتوازن وسط البحر وأمواجه المتلاطمة والمضاربة فترتفع وتنخفض وتقاوم نحو الشط ، حتى تطفو على السطح صخور تقذف بها الي المجهول أو تحول دون ذلك الوصول المنشود ، وهي لا تملك أسلحة تمنحها الاستمرار بأمان ، فيحدث التصادم مع الصخور المتقاطرة بما يسمي الاعتقال السياسي المحظور في كل الشرائع والقوانين و العائق الأول والأخير في سبيل تحقيق اهداف الديمقراطية والحريات .
كنا احيانا كثيرة بين الفينة وأختها نسمع عن بيانات تصدر من منظمات محلية ودولية تندد بالاعتقال السياسي وتطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ، ومع ظهور الديمقراطية وارتقائها الي القانون والعدالة والكرامة الانسانية والاحتكام الي حقوق مبادئ الانسان ، تقلصت تلك البيانات وانهارت الكثير من الأحكام العسكرية الديكتاتورية في العالم علي حين تبدوا القضية هنا علي هذه الساحة مجرد جملة جوفاء لا مجال لتعريفها يرددها الحالمون و المتوهمون علي ارض الضياع .. فيتم إنكار ذلك من قبل النظام والحكومة ويحولونها بالتغابي الفاضح الي ما يحلوا لهم .. جرائم عابرة للحدود !.. يساعدهم في ذلك قضائهم الهش واعلامهم الاجير لتبدوا قضية ولد غده فوق السطح السياسي لا تستحق الاهتمام كثيرا ضف الي ذلك ان أقنعة المعارضة الفضفاضة سقطت .. فهي لا تتناسب كثيرا مع قياسات رؤوسهم .. ورغم ذلك تبقي تدق بقوة صافعة الانتباه المشدوه وسط لا مبالات من النخبة المثقفة ، فابرزت لنا حقائق تبدوا للوهلة الأولي لا تستحق السجال وان كانت في الجوهر تعطي للوجه ملامحه وقسماته الحقيقية !
فشلت المعارضة فشلا واضحا في إثبات أن الإسم يقابل المسمى .. ومن يوم نشأتها وحتي كتابة هذه السطور فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد ، فلا تزال رهينة "المعارضة البيانية "، ومنقلبة في أفعالها ومضطربة في مبادئها واهدافها كلما أستنشقت رائحة القصر الرمادي إو دولارات الخليجيين ! كما ان كل المحاولات المعهودة وغير المعهودة جربتها من اجل التغيير وكانت تفشل وبرز ذلك جليا علي عملها الميداني علي مستوي حصد النتائج ، وبغض النظر عن الكدمات التي تجتاحها علي طول الخط من السلطة وضعف ردة فعلها علي ذلك ، فإن فقرها الشديد الي تجديد دمائها ظل ميزة تلح إلحاحا واضحا علي جنبات شيخوختها التفكيرية الأمر الذي أدي بالتخطيط والثبات و عدم القدرة على الحشد والتعبئة و احتواء الازمات والغضب الشعبي والدفاع عنه عوامل مفقودة وسببا اساسيا في قبوعها علي ماهي عليه الآن .... وهذا ما رجح الكفة الاخري و التي رأت بوضوح انكفاءها السياسي ، فلم يكلفها الامر اكثر من السخرية منها عبر اللقاءات والمقابلات ، أضف الي ذلك ان كل من تسلم السلطة لا يكلفه الامر جهدا كبيرا فيبادر إلى تفريغ الدائرة السياسية بإزاحة معارضيه إتهاما أو قمعا وسجنا و مستحدثا معارضة جديدة و أجيرة تتكفل بالترويج لإنجازاته ومشاريعه مقابل إمدادها و اشراكها في منظومة الفساد المستشري علنا ، علي حين يبدأ المواطنون في التذمر والتشكي والمعارضة في غرفة الإنعاش .. وتعلوا اصواتهم وتعبر كل حدود المواقع الاجتماعية الي مسامع الركض الانفرادي للرئيس داخل حلبة السباق ومع ذلك يتجاهل بوضوح صوتها متوهما انه قادرا علي الاستمرار و المصارعة والمنافسة السياسية وحيدا.. فيستمر في الركض والركض المضاد ، وفي الأخير يحدث ان يجد نفسه علي حافة الخروج من الزوايا الضيقة للتاريخ وربما الجغرافيا بسبب لكمة سياسية اخترقت مخابراته ومستشاريه ورجالات اعماله والتي حساباتها لم تضح بعد غير انها غيرت مجريات الاحداث والمسارات وحتي الخطابات !
ولما كانت الساحة السياسية تشهد على حضور كل هذا الهدر والتشتت للمعارضة وغياب الند السياسي للسلطة الحاكمة ، تطاولت وتمادت الاخيرة في الكثير من المواقع الحساسة فانتجت الكثير من الأعطاب والأزمات ، وامام هذا المشهد المخيف ظهر الشيخ ولد غده محملا بكثير من الاسلحة الفتاكة والقادرة على المجابهة وتحقيق نوع من الاحراج للسلطة واعادة ماء الوجه المهدور للمعارضة بكل أطيافها ، ولعل منطق التكتيك السياسي و بناء استراتيجية منتظمة لتجنب المسالك الوعرة كان احد اهم العناصر التي افتقادها السيناتور ، غير انه بإمتياز استطاع قلب طاولة الموازين و إشعال نيران النظام ودفعه الي ارتكاب اكبر الأخطاء في مسيرته السياسية فبعدما اخطأ بالنسبة للواقعيين و أصاب بالنسبة للمتملقين في استراتيجية احتواء المعارضة ، ولأن هذا قد يأتي بنتائج عكسية ويشكل تهديدا جوهريا له ، فالإبقاء على المعارضة يعتبر ضمان الاستمرار مع الهيآت والمنظمات الدولية وعنصرا مؤثرا في في امتصاص شعور الجماهير الثائرة ، غير انه لم يكلف نفسه عناء البحث في جوهر القضية لأنه لا يرى إلا تقاريرا تعكس وجهة نظر من كتبوها ، وما لذلك من انعكاسات سلبية علي المجتمع والرأي العام ، فدفع بولد غده الي السجن في خطإ آخر ومن نوع خاص ليس لانه _كما أرادوا_ حلقة وصل بين بوعماتو والشيوخ وما أثير حول هذه القضية من القيل والقال والشائعات الفارغة والتي لا تدعم وجوده في السجن ، وان كانت في الواقع قد حركت النخاع الشوكي لدي النظام ، بل لانه شكل تهديدا حقيقيا تمثل في فتح ملفات حمراء مصحوبة بالأدلة ذات وزن كبير تتعلق بتغلغل مظاهر الفساد الخاضع للمحسوبية والزبونية ، ولوح بذلك في اكثر من مناسبة بصفة جدية ، وبصفة جدية مناظرة وحذرة تعامل النظام مع القضية بلعبة تدار خلف الستار تجنبا لمزيد من فضائح الفساد ، وكان له ما أراد حيث ان الرأي العام والسجال والمناقشات تنحصر في وعاء ما يسمونه جرائم عابرة للحدود من رشوة الشيوخ وتسريبات الواتساب الي هبات ولد بوعماتو الكثيرة ، غير ان هذاالوعاء المطاطي لم يكن قادرا علي مقاومة أشعة الشمس الضاربة ..وبالتالي لم يري النور في القوانين والتشريعات لعدم وجود أدلة كافية لدعم الاتهامات ولكنها تمثل مخرجا فنيا للنظام حيث تذهب الملفات الحمراء الي طي النسيان والي مزبلة النفايات والتي هي الجرح الحقيقي والخط الأحمر الممنوع المرور عليه في قوانين المرور السياسي وحرية الرأي ، غير انهم بهذا التكتيك لن يجعلوا كل العالم كصفارة إنذار في يدي شرطي ! ولن يكونوا اكثر من تلك النعامة التي تدفن راسها في التراب متوهمة انها قد توارت عن الأنظار ..!!
ظهور ولد غده مكبلا بالأغلال امام القضاء مثل عصابه من اللصوص المحترفين.. هي رسالة خفية من دولة بوليسية خالصة - تمارس إجراءات قمعية صارمة ضد المجتمع والانسانية - الي كل من حاول لمس جروحها ، وهي أيضا تلفيق ومحاولة إقناع الرأي العام والمنظمات الحقوقية و الدول المجاورة بانه مجرم وصاحب جرائم عابرة للحدود !
لكن القراءة الفنية لما وراء السطور و أغوار الاحداث والمخفي في المضمون في صورة السيناتور -مقيدا- تعطينا إثباتا واضحا لمجموعة من الصفات والخصائص التي لازمت هذا المناضل منذ البدء علي مساره السياسي .. فتدرج السلم الواحدة تلو الأخرى بإتجاه ان يكون بطلا قوميا والدلالة علي ذلك لا تحتاج الي براهين أقليدية..أكثر من قراءة قليل من التاريخ و مقارنته بالمشهد االظاهري المعني للواقع ، غير ان المعارضة الجهوية المتخاذلة في هذه الحالة فقط..! لا تريد ان يصير كذلك ، فهي التي تمد النظام مكرهة بمزيد من الوقت بتقاعسها الغير مبرر و الذي يتظلل بنوع من الحقد الدفين اللاصق و الموروث عبر التاريخ المظلم ، لكن مهما يكن ، فالثابت الوحيد كما يقول ايمانويل كانت "إن كل مفهوم بلا معطيات حسية هو مفهوم فارغ وإن كل معطى حسي بلا مفهوم فهوأعمى "