في بيت شعر نواكشوط: "الأندلسي" ينشد للتاريخ العربي | صحيفة السفير

في بيت شعر نواكشوط: "الأندلسي" ينشد للتاريخ العربي

جمعة, 10/11/2017 - 10:26

نظم بيت الشعر – نواكشوط مساء اليوم (الخميس) أمسية شعرية للشاعر الموريتاني المقيم بالمهجر إبراهيم محمد أحمد الملقب ب"إبراهيم الأندلسي"، والذي يزور موريتانيا حاليا.

وحضر الأمسية جمع غفير من الشعراء والمثقفين والأكاديميين مثلوا مختلف أجيال الفعل الثقافي الموريتاني، كما حضرت هذه الأمسية الهيئات الإبداعية في البلاد.

الأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر - نواكشوط في تعقيبه على فقرات هذا الأصيل الشعري، أكد أن الأجواء في هذا الأمسية تتحدث عن نفسها، مضيفا أنه "لا حديث بعد الشعر"، وأعرب عن سروره البالغ بتمكن البيت من تنظيم لقاء بين أحد شعراء الغربة والنخبة الثقافية في البلاد، مضيفا أن الشعر وثيق الصلة بالغربة، وقال: إنه من خلال حديث ضيف الأمسية عن رحلته مع الشعر يتضح للشعراء أهمية البيئة الشعرية في تثقيف الشاعر وتمكينه من أدوات عالم ضخم يزخر بالإمكانات التعبيرية التي تتيحها تلك البيئة.

وكانت الأمسية التي أدارها الشاعر أحمد مياه، قد بدأت باستماع الحضور إلى نبذة عن حياة الشاعر إبراهيم محمد أحمد (الأندلسي)، وأعماله الشعرية والنثرية، لتصعد المنبر بعد ذلك الفنانة لبابة بنت الميداح، التي أعربت عن عميق شكرها لبيت الشعر - نواكشوط على تنظيم هذه الأمسية التي أكدت أنها أتاحت لها تحقيق حلمها بلقاء الشاعر إبراهيم الأندلسي، وقالت بنت الميداح "لن أعرّف بمن هو معروف وبقامة سامقة، ويكفي أنني في هذا الموقف سأنشد بيتا".

بدوره رحب الشاعر أماعلي حاجب في كلمة باسم "صالون مامون الأدبي"، بالشاعر إبراهيم محمد أحمد (الأندلسي)، مؤكدا فرحه ورفاقه بلقاء هذا الشاعر  والاستماع إليه مباشرة بعد أن كان التواصل معه مقتصرا على وسائط التواصل الاجتماعي.

وقرأ ولد حاجب مقطعا من قصيدته "الأندلس"، التي أهداها لضيف الأمسية.

بعد ذلك استمع الحضور إلى ضيف الأمسية إبراهيم محمد أحمد (الأندلسي)، الذي بدأ الحديث بتوجيه الشكر إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة على جهوده الكبيرة في رعاية الثقافة العربية، وقال: إن تلك الجهود مكنت من تسجيل نقاط لصالح الثقافة جماهيريا بعد أن استحوذت كرة القدم على الزخم الجماهيري، مشيرا إلى أنه تحدث في هذا الموضوع من قبل مع بعض الشعراء العرب.

كما وجه تشكراته الخالصة لبيت الشعر - نواكشوط وإدارته التي أثنى على كفاءتها في تسيير العمل الإبداعي، وعلى هذا العطاء الذي تقدمه للشعر وللشعراء والمثقفين في موريتانيا.

وقال إنه "سعيد بهذا الجمع الكبير من الشخصيات والرموز والقامات الإبداعية" التي شرفته بحضور هذه الأمسية.

بعد ذلك استعرض إبراهيم محمد أحمد (الأندلسي) سيرته الشعرية غير النمطية فيما يشبه المونولوج، وحظي بتصفيق حار عند كل مرحلة سردية من المونولوج الذي بين أنه رغم تخصصه في الهندسة وعمله في مجال الأعمال الهندسية، فإنه لم يستطع أبدا التخلص من طغيان الأدب، الذي هيمن عليه وعلى حياته.

وقال: إن رحلته مع الشعر بدأت وهو ابن الرابعة من عمره حيث بدأ تعلم الحروف الهجائية على يد ابنة عمه، والتي حفظ عليها قصيدة  "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول"، وكان يظنها قرآنا وكان يصلي بها، ما يثير سخرية وضحك سكان الحي.

ولأن والده  كان زاهدا ولا يرغب في أن يقرض ابنه الشعر فقد درسه قصيدة عن الموت والموتى (باتوا على قلل الأجبال تحرسهم / غلب الرجال فلم تنفعهم القلل)، وهكذا صدم الشاعر (الطفل وقتها) ونفر من الشعر، لكن القدر كان بانتظاره حيث سمع طفلة في السنة السادسة من عمرها وهي تقرأ قصيدة عنترة بن شداد "إذا كشف الزمان لك القناعا"، وهكذا عاد نبضه على إيقاعه المتلاصق مع الشعر وإلى اليوم.

"إبراهيم الأندلسي" في سرده غير النمطي أوضح أنه درس على كبار العلماء والشعراء وأنهُ تلقى تعليمه في علوم اللغة والآداب في أعرق محاظر البلاد.

 وسلط الضوء على مشروعه الأدبي الذي تمثل في دواوين (ستنشر منها ثلاثة هذا الشهر وهي: "انشطار الطين" وهو ديوان عن الوطن، و"الأهداب الصافنة" وليس مخصصا للفقهاء، بحسب تعبيره، و"أوتار الأندلسي الأخير"

وفي مجال القصة القصيرة، قال إنه صدم عندما فازت قصته القصيرة الأولى بالمركز الأول على ثلاثة آلاف قصة قصيرة من مختلف أنحاء الوطن العربي. وقال: إن ذلك مثل خيبة أمل له، لأن الأديب يجب أن يبدأ بالفشل ثم الفشل قبل أن يعرف طعم النجاح.

وأضاف "صحيح أني أوصف بأني غزير الإنتاج، ولكني ككل الموريتانيين زاهد في النشر وبعد ديواني "الشذرات" ألح علي البعض في إصدار خمسة دواوين دفعة واحدة، فقررت أن تصدر ثلاثة دواوين هذا الشهر".

 

بعد ذلك قدم الشاعر قراءة في قصائده بدأها بالمديح النبوي وقصائده خلال الحج، حيث أنشد في مواجهة القبة الشريفة "قصيدة المدينة"، التي يتحدث فيها بداية عن وداع رفاقه له في حيه البدوي، ويقول:

وودعني حيث المقام أحبة

يدينون بالإسلام أعينهم تجري

أتيتك مرتدا ألملم أحرفي

لأكتب ماذا هل يساعدني سطري؟

وفي الشعر من حسان حتى زماننا

وما أخذوا إلا قُطارا من البحر

أتيتك بعد الشيب فاعذر مدامعي

فقد غبت جزت الأربعين بلا عذر

وغرت شباب الحي لذات يومهم

فأحلامهم تبقى الدخول إلى الخدر.

وحين زار مكة أنشد ارتجالا "قصيدة مكة"، التي يقول فيها:

أتيت إلى بطحاء مكة أحلمُ

وكلي شفاه للمعالم تلثمُ

فذلك غار للتنزل آية

وذا عرفات والحطيم وزمزم

هنا جنة الدنيا هنا بيت عزها

هنا كسب الأمجاد والفضل جرهم

هناك كان إبراهيم لله قائما

وقد صدق الرؤيا فذبْح مقدمُ

هنا رفع الأركان أول مرة

ليعبد رب الكون والله أكرمُ

هنا بارك الرحمن في البيت والقرى

وأذَّن إبراهيم فالخلق محرمُ

هنا كان إسماعيل للوعد صادقا

ويأمر بالمعروف والآل يرسمُ

هنا ولد المختارُ فالخيرُ كاملٌ

هنا كان جبريل الكريم يعلمُ

هنا رضي الرحمن دين محمد

فمن جاء نهجا غيره سوف يحرمُ

هنا مد مليار الملايين كفه

فأعطي حتى اليوم ما زال يطعمُ

هنا يرتوي كل الخلائق زمزما

ولا زال فياضا وعذبا يدمدمُ

هنا الحج أين الحج إلا بهذه

هنا تمحق الآثام والشر يحجمُ.

بعد ذلك قرأ مقاطع من شعره الغزلي يقول في قصيدة "تجاذب":

على النسوة اللائي نقشن على الخدِ

بخِنجرِ كَفِّ تقطعُ الوِدَّ بالصدِّ

ديونٌ من الدمع المصون تدفقت

و عهدٌ قديمٌ بالتواصل و الوِدِّ

فلستُ ككحل العين يمضي بدمعةٍ

و لا كغثاءٍ لا يُفيدُ و لا يُجدي

على رسلكنّ الْيَوْمَ فالأرضُ غيرت

مدارَ الأواني في التناسق و الضِّدِّ

و قد يلتقي أهل التناسق مرةً

و لكنَّ أَهْلَ الضِّدِّ في محفل النِّدِّ

كأطراف شَطْرنجٍ تُنافرُ نوعَها

و تسمحُ للأغراب بالنَّحْرِ و العِقدِ.

وقرأ قصيدة "طُعْمُ الموت":

بعينيكَ لو لاحت يشُبُّ حريقُ

و لوعاتُ صدرٍ ما لهنّ صديق

ولو أن لُبنَى أغلقت باب جفنها

لما مات بين الوالهين عشيقُ.

ومن قصيدة "الداء الغامض" قرأ:

تصبُّ عيونُ الآنسات عذابَها

علينا كأنا قد خَلبنا لُبابَها

تُدير علينا من سناها مفاتنا

و تُودعُ في الأحناءِ منا شهابَها

فتُشعل نيرانُ الجوى كلَّ ثورةٍ

وتلك ضروع الدمع تفتح بابَها

نروح إلى المشفَى نريد دواءَنا

و كيفَ إلى نفسٍ نُعيدُ مَهابَها

فأخبَرَ أن الداءَ عشقُ و أَنَّهُ

خلايا إذا هاجت تزيد نصابَها

و أن دواء العشق أطرافُ مِعطفٍ

و عيشٌ على قوسين أو قال قابَها

و أن مِلاكَ الأمر قُربُ حبيبةٍ

كما صحبت خَيل العِراب ركابَها

وأن جُنونَ العشقِ يزدادُ كلما

تَصبُ جفونُ الشوقِ فيه جِرابها

و ما زال تِرياق العشيق بريقها

يُعيدُ لألوان الرؤوسِ غرابَها

يُبثُّ كما يُجلي الغزالُ صغيرَهُ

و تلكَ المهَا تُلقي عَلَيْهِ لعابها

و عُدنا من المشفَى بداءٍ و لوعةٍ

تُضاعف من دقات قلبٍ ضرابَها.

 

صاحب قصيدة "بنت شنقيط" (في موج عينيكِ أطيافٌ وأسئلةٌ / لو خاضها البحرُ غِيضَ الماءُ من زمَنِ)، لا يهادن التجربة في قصيدة "الأهداب"، التي يقول فيها:

تلحَّفتُ ثوبَ العاشقينَ و كُلّما

تلحفّهُ طفلٌ يرومُ الغواربا

على صافنات الهدب فيكِ تجمَّعت

مناراتُ بحّارٍ تُنيرُ المغاربا

كأن عليها قِبلةَ الخلقِ ثُبِّتت

لتسلُبَ مفتونا بها و مُحَارِبا.

كما قدم الشاعر قراءة في مجموعته "أوتار الأندلسي الأخير"، حيث عرف الرجل بوصف نثري رائق بأماكن وتواريخ أمجاد الحضارة العربية في الأندلس، مرتحلا مع القصور والقبور والآثار، واصفا الحدث والمكان من قبل ومن بعد، حيث تأبط الشاعر مجده حلما، ثم خاطب رموز الجمال والحضارة والحب من رجال ونساء الأندلس فتوقف مع الشاعرة نزهون بنت القلاعي وولادة بنت المستكفى، وابن زيدون، وابن الزقاق البلنسي وأبي العباس الجراوي وابن الأبار القضاعي.. فلكل من هؤلاء كتب الشاعر يخاطب ضميرا لا يغيب.

يقول في قصيدته "السوق و الأعناق":

وإني وإن شابت منابتُ لحيتي

فإني حبيبٌ في عيون النواعمِ

أتيتُ من الأرض التي شمس صفوها

عيونُ الغواني و اقتسامُ المعاجمِ

بها صفحاتُ الأنس و الخُلد وُسِّدت

لحوراءَ لا تُهدي سلامَ المسالمِ

يطوفُ عليها اللحفُ أثناءَ لُبسها

كما طاف أعرابٌ بجَفنةِ هاشمِ

كأن دوارَ اللُّحفِ حول غصونها

كواكبُ حول الشمس في عِقد ناظم

فردِّي عليّ الوقتَ علِّي بلحظةٍ

سأطفقُ مسحا حول جنات آدمِ.

كما يقول في قصيدته "الشعلة":

مسراتُ الزمان على نضوب

كأندلسٍ تُسطر في القلوب

تتيه بها حضاراتٌ و دهرٌ

وأنواعُ القبائل و الشعوب

على جدرانها كُتِبت فُصولٌ

من الأنوار تنطقُ في الدروبِ

ولو وَجَد الزمانُ لها مِثالا

لأخفَى ما تراكمَ من عُيوبِ

 

هذا، ولعل الشاعر لخصَ بعض ذاكرة الإرث الحضاري للأندلسيين حين خاطب الرصافي البلنسي قائلا:

وكم كان المكانُ لنا مُحِبّا

يُديرُ اللحنَ مُنسكبا مُذابا

لنا كتُبُ المقامة و القوافي

و فينا الطفلُ يمتلكُ الجوابا

ألسنا من أذاق الكون طَعما

و علمهُ المَلاحمَ و الرّبابا

ألسنا من بنات الشوق نبني

قصورَ الشِّعر تخترقُ الضبابا

ألسنا مَن أعزّ بها ذليلاً

و صانَ العِزَّ و احتملَ العذابا

ستشهدُ هذه الصماء أنّا

حبسنا فوقَ صفحتها الرُّضابا

لنزرع فوق هام الصخر تينا

و أعنابا مُدلهةً شرابا

ستشهدُ أرضها أنّا عليها

كسبنا بعد آدَمِنا ثَوَابا

فلم تلمسْ قبيْلَ العُربِ فيها

جِباهُ النَّاسِ شاكرةً تُرابا

سجدنا للإله بها و إنَّا

بسجدتنا نعيدُ لها المَهابا.