المتنبي وحاكم مصر الأسود كافور الاخشيدي.. وإسقاط على أزمة ليبيا | صحيفة السفير

المتنبي وحاكم مصر الأسود كافور الاخشيدي.. وإسقاط على أزمة ليبيا

خميس, 23/11/2017 - 12:53
حمدي جوارا

المتنبي من أعظم شعراء العربية هذا الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، بقي مع سيف الدولة قرابة التسع سنوات ، يمدحه ويخلد مآثره ولولا المتنبي لم يعرف سيف الدولة حاكم الدولة الحمدانية حينها في حلب السورية اليوم -فك الله كربها- .
ومعظم قصائد المتنبي عن الرجل الحمداني ؛ وكان المتنبي يطمح لولاية في مكان لم يأذن له الحاكم بذلك وكان يريد الزواج بأختصار لسيف الدولة ماطل الحاكم إلى أن توفيت فرثاها فبكاها المتنبي ، والسبب يرجع إلى إدراكه طبيعة المتنبي وطموحات السياسية .
ساءت العلاقة بين الرجلين وودعه المتنبي بقصيدته التي قال فيها :
 الخيل والليل والبيداء تعرفني  والسيف والرمح والقرطاس و القلم .
حتى أجابه ابو فراس الحمداني وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني قائلا : وماذا تركت للأمير إذا .
ذهابه إلى كافور حاكم مصر
المهم ، قصد المتنبي مصر وكان يحكمها كافور الاخشيدي الحبشي  وكانت فترة حياته ما بين 292 – 357 هـ بعد وصية مؤسس الدولة الاخشيدية/ محمد طغج بقيادته للبلاد بعد وفاته ،  لِما رأى من مواهبه بعد فترة من استعباده ، وحكم مصر خلال أكثر من 20 عاما واتسم حكمه بالعدالة والإنصاف وجمع الكلمة طوال فترته كلها .
لكن ، لماذا خُصي كافور الاخشيدي …؟؟؟
ويوصف كافور  أنه كان مخصيا، لا ادري لماذا خصاه سيده هذا ؛ علما أن حاكم مصر  اشتراه  من أشخاص يعملون في تجارة العبيد  فهل هم الذين خصوه ليبدو ثمينا ويرفع قيمته الشرائية أم أن السبب   منعه من الاقتراب من النساء ؛ كيف يجرؤ إنسان على خصي إنسان مثله ؛ ما يحدث في ليبيا ليس غريبا إذا ولا جديدا وهنا تفهم كيف كانوا يبيعونهم حسب أحجامهم وقوة عضلاتهم  وهكذا دواليك.
المتنبي يقصد كافور الاخشيدي الحاكم ….
جاء المتنبي إلى كافور وكان معروفا بالعدل والسخاء وتكريم العلماء ورضا الناس عن حكمه وحبهم له ، وأعد له قصيدته الشهيرة التي مطلعها :
كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا  وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا
ومنها أيضا :
قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ   وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا
لقد أكرمه كافور أيما إكرام  ولم يكن يتوقع يتوقع اصلا ان يأتيه شاعر في مستوى المتنبي إذ كان مشهورا جدا حينها ولكن الاخشيدي لم يكن من الغباء ليكتشف الأسباب التي أدت إلى ترك المتنبي صاحبه الأول سيف الدولة وطموحه  السياسي المتنامي  ؛ وقد عبر عن ذلك الطموح  في قصيدة أخرى له التي بدأها بقوله :
فراقٌ ومن فارقت غير مذمّم  وأَمّ ومن يمّممت  خير ميَمَّم ..
× بمعنى لا يذمُ هو ولا يعاتب لأنه فارق صاحبه الأول وتحركه  لكافور خير من يمكن التيّمم  إليه وقصده والاتيان إليه .
وذكر في هذه القصيدة معاني سياسية  تعبر جليا عن أسباب مجيئه لكافور .
أَبا المِسكِ أَرجو مِنكَ نَصراً عَلى العِدا وَآمُلُ عِزّاً يَخضِبُ البيضَ بِالدَمِ
فقد كان يفكر في خوض حرب مع سيف الدولة في حال ساعده كافور على ذلك وواصل قائلا :
وَيَوماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحالَة أُقيمُ الشَقا فيها مَقامَ التَنَعُّمِ
وَلَم أَرجُ إِلّا أَهلَ ذاكَ وَمَن يُرِد مِن غَيرِ السَحائِبِ يَظلِمِ
فهو قد جاء فعلا للانتقام وأخذ الثأر ضد سيف الدولة وجوقته العلمائية التي كانت ضده هناك كابن نفطويه وأبو فراس وغيرهم من العلماء والأدباء .
بيت القصيد من هذا .
بعد رفض كافور الاخشيدي تقديم ولاية له أو إمرة وولاية طفق المتنبي بعد سنتين يهاجم كافور ويهجيه بأبشع الأوصاف والتشهير به وكان يعيّره بلونه وخصيته وعبوديته :
منْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَة   ًأقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ
 لدرجة انه أظهر أن كافور الاخشيدي لا يستحق هذا المنصب الذي هو فيه لأن عبدٌ وأنه  هو من يستحق ذلك أو غيره من العرب الأقحاح . انظر اليه وهو يقول في قصيدة أخرى  :
صارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا  فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُود
واشتهر البيت الذي يقول فيه
ُلا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَه إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
آثار هذه الأبيات في العقل العربي
اشتهرت هذه الابيات في الثقافة العربية وفي الأدب العربي  وأصبح هذا البيت “لا تشتري العبد
.. ”  مشهورا للتنديد ضد كل من لونه أسود والعبد لا يحسن معه إلا العصا في ثقافتهم وتمت تجذير  هذه الثقافة في العقل الباطن العربي أو بعضه حتى لا نظلم الجميع .
ما لا أفهمه في المتنبي  ..
كيف يتصور أن يسقط شاعر كبير في مستوى المتنبي من الوقوع في هذا الفخ العنصري البغيض رغم أنه رجل له مواقف أخرى تعبر عن اعتزازه بالإسلام ودعوته إلى تكريم الناس واحترامهم  وحملته  ضد الظلم والظالمين . ربما السبب كما ذكرت هو خيبة أمله وقد يكون حقدا سيئا لم يكتشف إلا في مثل هذه المواقف التي تكشف جوهر الإنسان ومعدنه  وحقيقته .
نهاية كل منهما ..
توفي كافور موتا عاديًا وكان قد أوصى بنقل جثمانه للقدس ودفنه  هناك وحين سمع به المتنبي ذكر فيه بيتين لا ندري هل ندم فيهما أم ونُقش  البيتين على قبره ..
لله بيتين وهما:
ما بال قبرك  ياكافور منفرداً  بالصّحصح المرت بعد العسكر اللجب
يدوس قبرك أحاد الرجال وقد ** كانت أسود الشرى تخشاك من كثب .
هل هو ندم أم موقف اعتبار منه لما كان عليه من قبل ام أنه مواصلة في الحقد عليه .
وكانت نهاية المتنبي كما تعرفون حين سخر قاطع طريق فاتك الأسدي وأراد أن يفرّ فقال له غلامه : ألست من قال :
الخيل والليل والبيداء تعرفني  والسيف والرمح والقرطاس و القلم
فلماذا تفرّ إذا . فقاوم حتى قتله فاتك الأسدي  ولم يعرف له قبر ولا أين قتل بالضبط حتى الآن .
وأخيرا:
المهم ؛ سقطت دولة الاخشيد بعده كافور ولم تمكث طويلا ، ليأتي  بعدهم الفاطميون  بقيادة جوهر العقلي الذي بنى الدولة الفاطمية واستقر به القرار في قاهرة  المعزّ .
أعتقد أن الرسالة واضحت ويجب التعامل مع هذه الحقائق بجرأة وإدانتها ؛ والقيام بحملة ثقافية وجريئة  لأس  المشكلة  العنصرية في الثقافة العربية والإسلامية .  وإلا فسوف نجد أسواقا للنخاسة وعودة لتجارة الرقيق والعبيد في عصر الانفتاح والتطور  ما لم نواجه هذه المشاكل الثقافية المتجذرة بيننا .
 سامح الله المتنبي فلكل جواد كبوة وقل من لا يخطئ ، وغفر لكافور وأسكنهم الفردوس الأعلى .