استرعت اهتمامي الرسالة التي وجهها الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، للشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، ليقول له فيها شكراً، ليس باسمه فقط، بل باسم الشعب الإماراتي، كما لفتت انتباهي تلك الإشادة الواسعة التي صاحبت الرسالة، والتي رُفعت كشعار لها، نفس عنوان الرسالة: شكراً محمد بن زايد ..
أتمنى أن تكون رسالة محمد بن راشد إلى محمد بن زايد قد وصلت الإعلام القطري الذي كثيراً ما ادّعى أن الإمارات ليست على قلب رجل واحد، وهو بذلك ينفخ في رماد، فأي رسالة أبلغ وأوضح وأكثر وحدوية من هذه الرسالة؟!.
وبالنظر إلى فحوى الرسالة، وما تحمله من معانٍ عميقة، فإنها تستدعي الوقوف عندها بعمق لقراءة طريقة تعامل الساسة في هذه الدولة مع بعضهم البعض من جهة، وطريقة تعامل الشعب مع الساسة من جهة ثانية.
مشاهد كثيرة، حسيّة ومعنوية، مرت عليَّ في هذه الدولة التي أقيم فيها منذ عقدين من الزمن، بعضُها ظل عالقاً في الذاكرة، وذلك لكونها استثناءً في عالمنا العربي، ومن تلك المشاهد صورة الشيخ محمد بن زايد وإخوته يطرقون أبواب بيوت جنودهم الشهداء في اليمن، ليقدموا لذويهم العزاء بأنفسهم، ولم يُوكلوا الواجب لأحد...كان ذلك المشهد الوطني والإنساني رائعاً ونادراً في ساحتنا العربية.
من المشاهد المعنوية الدالة، وقفة قادة هذا البلد مع أشقائهم في السعودية، قلباً وقالباً، بالمشاركة في عاصفة الحزم في اليمن لاستعادة الشرعية التي استباحتها مليشيا الحوثي، وبمد يد العون للشعب اليمني، وبالوقوف مع مصر، حينما عاث فيها تنظيم الإخوان الإرهابي فساداً، وبدعم ليبيا بعد أن تداعت عليها المليشيات المتطرفة من كل حدب وصوب..
وحدّث ولا حرج عن مشاهد استمرار تدفق المساعدات الإنسانية وتسيير قوافل الخير إلى كل أرجاء المعمورة، من دون تفريق بين لون أو جنس أو دين.. كل هذه المشاهد جعلت التجربة الإماراتية تتميز عن غيرها.
ومما مكّن لهذه المسيرة أن تؤتي أكلها هو ذلك التلاحم الواضح بين القادة أنفسهم وبين القيادة والشعب، حيث تتسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بسمات الأبوة، بعيداً عن علاقة تحددها مقتضيات السلطة في إطار الدولة.
نعيش هذه الأيام ظرفاً ذا خصوصية فريدة، حيث أصبح جليّاً من يخدم الأمة ممن يمكر بها..ظرفٌ يحاول فيه أعداء الأمة تمزيقها ببذل جميع إمكانياتهم المادية لزرع الفتن ودعم الإرهاب، ونشر ثقافة التطرف والافتخار بتاريخ الدولة العثمانية الأسود لنكئ الجراح..
في هذا الظرف بالتحديد، تتنفس الأمة عطر رؤية الإمارات في مشهد آخر، تتلاحم فيه رؤى الخير، لتبلسم الجراح، وتخمد نيران الفتن، وتنشر ثقافة التسامح، وتمد يد العون للمحتاج، وتعمل ليعيش الجميع في جو من السلم والأمن.
رؤية تعيد الأمل، وتبعث في النفس الاعتزاز والفخر بدولة الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر أحد ركائز كفة الخير، بإحيائها لتاريخ مجيد، يشرق على أرضها الطيبة من جديد.
مقامي في هذا البلد، خلصتُ منه بقناعة خلاصتها إن طموح بعضنا لنقل التجربة الديمقراطية الغربية لعالمنا العربي فيه من مجانبة للصواب، أو جهل من بعضنا بالنموذج والتجربة الإماراتية الأصيلة، فمجالس حكامهم المفتوحة لا تُقاس بأعتق وأعرق ديمقراطيات العالم، وولاء مواطنيهم لساستهم قناعة راسخة، منبعها سهر الحكومة والإدارة، ليس على خدمة المواطن بل إسعاده.
قد يقول قائل إن توفر المال هو السبب الرئيس لكل ذلك، لكن أصحاب هذا القول مردود عليهم بكون دول كثيرة تملك من المال ما لا تملكه دولة الإمارات، بينما فشلت في تحقيق أي تنمية، بل على العكس من ذلك، صار مالها نقمة على العالم، وما المثال ببعيد جداً.. فدولة قطر، رغم ما تتربّع عليه من موارد، إلا أنها منبوذة من أشقائها وجيرانها، بسبب سياسات حكامها، الذين بدّدوا أموال الشعب في تمويل الحركات الإرهابية ونشر ثقافة التطرف والفرقة بين الشعوب، لهذا اقترن الإرهاب باسم قطر، حينما غاب عن نظام الحمدين أن العقول هي التي تصنع الأوطان وليس المال.
ليس لدى دولة الإمارات في هذا العالم من الأعداء سوى تنظيم الإخوان الإرهابي أو النظام القطري، وهما وجهان لعملة واحدة.. مَنْ غيرهما يُعادي الإمارات التي يحتل جواز سفرها المرتبة الأولى عربية وإقليمياً بدخوله 138 دولة بدون تأشيرة، فالإمارات كما قال الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي، دولة مكّنها تبني تقنيات الثورة الصناعية الرابعة من اتخاذ القرارات الاستراتيجية المبنيّة على استشراف المستقبل، وتعزيز مكانتها الريادية عالمياً، من هذا المنطلق يكون الفهم الصحيح لرسالته للشيخ محمد بن زايد.
أتمنى أن تكون رسالة محمد بن راشد إلى محمد بن زايد قد وصلت الإعلام القطري الذي كثيراً ما ادّعى أن الإمارات ليست على قلب رجل واحد، وهو بذلك ينفخ في رماد، فأي رسالة أبلغ وأوضح وأكثر وحدوية من هذه الرسالة؟!
لستُ بصدد تفنيد أكاذيب يدحضها الواقع، ولكن لا بأس من تذكير إعلام قطر وتنظيم الإخوان أن أبوظبي أكثر مساجد من الدوحة، التي يضطر فيها المرء أحياناً للتنقل من حي إلى حي آخر بحثاً عن مسجد، بينما تجد في أبوظبي مسجدين أو ثلاثة على الأقل في كل حي، وتعريفي للحي هنا ما يقع بين أربع إشارات ضوئية .
لا بأس من تذكيرهم أيضاً أن أبوظبي أكثر حرصاً من الدوحة على تعليم ديننا الحنيف، حيث توفر أغلب المساجد حلقات لتعليم القكحرآن الكريم مجاناً، مع توفير النقل، ومنح جوائز مالية عند حفظ كل حزب من القرآن الكريم.
موتوا بغيظكم .. حقدكم وما تبثونه من سموم عبر إعلامكم، لن يجدا من يتأثر بهما في هذه الأجواء..فلسان حال الجميع هنا يقول: شكراً محمد بن زايد.. ليس المواطن فحسب، بل يرددها المقيم لما ينعمُ به من حقوق، والسائح لما ينعم به من كرم وفادة وأمن وأمان ..