لا يختلف اثنان على أن سلاح قطر الوحيد في أزمتها مع الأشقاء الخليجيين هو سلاح الإعلام، ومن باب المفروغ منه أيضا أن الإعلام القطري لا يعتمد إلا على الخداع والمراوغة والكذب وتزييف الحقائق؛ في محاولة عبثية لينفي عن أولياء نعمته التهمة الموجهة لهم من طرف الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.
منذ اندلاع الشرارة الأولى للأزمة الراهنة جندت قطر إعلامها المباشر والإعلام الإخونجي المناصر لخدمة هدفين أساسيين: أولهما تفنيد التهم الموجهة لهم وإلصاقها بالآخرين؛ أما ثانيهما فهو تشويه الدول الداعية لمكافحة الإرهاب بالكذب الصريح والتلفيق تحت نطاق القاعدة الإعلامية النازية أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس.
وهكذا وفي سياق حملة الكذب واسعة النطاق أدلت أغلب الشخصيات القطرية بداية من الأمير تميم ثم حمد بن جاسم ثم خالد العطية بمساهماتها في الحملة العفنة؛ وكان آخر هذه الشخصيات وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي ظهر في التلفزيون الرسمي ليسرد بتبجح ما يقول إنها قصة العلاقات القطرية الخليجية قبل المقاطعة وكيف تلقى خبر المقاطعة؛ ثم ما تبع ذلك من أحداث.
طغت المسكنة على لهجة صاحب المعالي وليس ذلك مستغربا من المسؤولين القطريين؛ فقد تعودنا منهم مخاطبة المشاهد بالقشور ومحاولة إظهار أنفسهم على أنهم ضحايا لتسلط الآخرين؛ والتذرع بأن البعض لا يريد لهم أن يأخذوا دورا أكبر من حجمهم؛ إلى آخر الأسطوانة التي لم تعد تناقضاتها الجلية الفجة تخدع أحدا.
خلاصة الحديث تقطع الشك باليقين بأن معالي الوزير مغيب عن حقيقة الأزمة القطرية وربما يكون ذلك سببا رئيسيا لعدم قدرته على النجاح في معركته الدبلوماسية التي تحمّل من أجلها عناء السفر بمعدل أربع دورات بالكرة الأرضية
لقد تعودنا منهم أن يقولوا ما لا يفعلون، فأفعالهم في واد وإعلامهم في واد آخر؛ فالدولة التي يتباكى إعلامها ليل نهار ـ يا للعجب ـ على القدس والقضية الفلسطينية توطد في نفس الوقت علاقاتها بالإسرائيليين كما أنها الدولة التي كانت تقلع منها الطائرات الأمريكية لتصب نارها على المواطنين العراقيين وفي نفس الوقت يتباكى إعلامها على ما لحق بالعراق من دمار وتدمير.
بذل وزير الخارجية القطري قصارى جهده ليجانب الحقيقة، فبالنسبة للمملكة العربية السعودية حاول أن يظهر أن العلاقة كانت سمنا على عسل؛ والجميع يعلم أن ذلك غير صحيح؛ وإلا فأين نحن من تآمر الحمدين مع القذافي على المملكة العربية السعودية ومراهنته بأن حكم آل سعود سيزول بعد 10 سنوات؛ وأين نحن من دعم المعارضين السعوديين وإثارة الفتن داخل المجتمع السعودي ودعم المتطرفين من السعودية الذين انضموا لداعش والقاعدة، وذلك لإلصاق تهمة الإرهاب بالسعودية.
أما مصر فجاء كلامه كذبا صريحا عندما قال -يا للسخرية- إنهم يحترمون خيارات الشعب المصري وأنهم لم يقفوا ضدها ونسي أن إعلام دولته لا يزال يصف ما حدث في مصر بالانقلاب، كما أنه لا يزال يحرض على مصر وأمنها ويعتبر محمد مرسي الرئيس الشرعي، ويدعم الإرهاب في سيناء ويساند ويمول تنظيم الإخوان الذي صنفته مصر منظمة إرهابية.
وحين وصل معالي الوزير إلى الإمارات فقد بذل جهدا أكبر من طاقته ليتفه المشكلة معها، حيث قال إن سبب المشكلة معها هي تسليم زوجة معارض؛ مبررا ذلك أنه ليس من شيم العرب أن نسلم النساء، ونسي أنه يتحدث عن أرض زايد التي بنيت ركائزها على القيم العربية الأصيلة.
وتحاوز إلى البحرين ليدعي أن ساستها ليس لديهم من الأمر شيء وأن الأوامر تأتيهم من الخارج وكأن طارقا من السماء ناداهم من بعيد قاطعوا قطر ونفذوا الأمر، متناسيا أن قطر متورطة حتى الودجين في تأجيج الوضع في البحرين وإثارة الفتنة فيها وكلام حمد بن جاسم شاهد على ذلك.
ولم يفوت الوزير الفرصة ليعرج على أسطوانة القرصنة التي وجدوها حجة بعد أن تأكدوا أن تصريحات الأمير تميم ستدخلهم في نفق مظلم؛ وقال إنهم أشركوا في التحقيق وكالة FBI الأمريكية والوكالة البريطانية لمكافحة الجريمة؛ لكني أسأل معالي الوزير هنا لماذا لم تعلن أي من هاتين الوكالتين المعروفتين عالميا وتحظيان بثقة كبيرة أن موقع وكالة الأنباء القطرية تعرض لقرصنة؛ لماذا أعلنتم نتائج التحقيق من طرف واحد؟
بكل صراحة كان الوزير مستفزا في حديثه كله ولكن الاستفزاز والوقاحة بلغا أوجهما عندما تطرق لـ"الهجمة الإعلامية" التي تواجه قطر متناسيا -على الطريقة النازية- أن ما قام به الإعلام القطري من تلفيق وكذب وتدليس على الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لم تقم به ماكينة هتلر الإعلامية ضد خصومه.
خلاصة الحديث تقطع الشك باليقين بأن معالي الوزير مغيب عن حقيقة الأزمة القطرية، وربما يكون ذلك سببا رئيسيا لعدم قدرته على النجاح في معركته الدبلوماسية التي تحمل من أجلها عناء السفر بمعدل أربع دورات بالكرة الأرضية.