لا تلوك ألسنة المسؤولين القطريين خلال أزمتهم مصطلحاً كما تفعل مع مصطلح السيادة؛ بدءاً من الأمير تميم وصولاً إلى أدنى مسؤول.. كانت كلمة السيادة ترد بل تتكرر في كل تصريح أو حديث مهما كان مقتضباً؛ وكان الحوار الاستراتيجي الأمريكي القطري الأسبوع الماضي آخر المناسبات التي كثر فيها الحديث عن السيادة؛ حيث قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بالحرف "لن نتنازل عن سيادتنا ولن نتنازل لتكون هناك دول أخرى أو قوى أخرى تتحكم في دولة قطر أو مصيرها، بالنسبة لنا هذا في حد ذاته رد على دول الحصار والدول التي حاولت أن تمارس هذا التنمر السياسي عليها".
إن السيادة التي تتحدث عنها قطر مفهوم هلامي غامض؛ وكان واضحاً أنها مستعدة للتنازل عن الدولة وما فيها مقابل الحصول على السيادة المزعومة؛ كما يظهر جلياً في هذه الفقرة من البيان المشترك للحوار الاستراتيجي بين أمريكا وقطر.
معلوم أن السيادة ركن مهم في تأسيس الدول بل هي الأهم قطعاً؛ فلا يمكن قيام دولة بدون سيادة، إلا أن السيادة مفهوم لا يتجزأ، فسيادة الدول ينبغي أن تكون شاملة وعلى جميع الأصعدة؛ كما أن احترام سيادة الدول ركن أساسي في العلاقات الدولية، فالاحترام هنا لا بد أن يكون مُتبادلاً؛ بمعنى أن أي دولة تُحترَم سيادتها يجب عليها احترام سيادة الدول الأخرى.
لقد لفت انتباهي حديث المسؤولين القطريين عن عدم التفريط في سيادتهم؛ هي في الواقع مفارقة، فالسبب الأساسي للأزمة هو ما تشتكيه الدول الأخرى من التدخل القطري في سيادتها، وجميع المطالب التي وُجِّهت لقطر تصبّ في صميم احترام السيادة؛ فكيف لدولة تنادي بضرورة احترام سيادتها أن تتدخل في شؤون الدول الأخرى؟، وكيف لها أن تطمع في تجاوز السيادة المقدسة لدول أخرى؟
أجل؛ فالنظام القطري -من وجهة نظره- يحقُّ له ما لا يحقُّ لغيره؛ وشعاره في السياسة: "أن كل ما يُشترَى بالمال رخيص".
إن السيادة التي تتحدث عنها قطر مفهوم هلامي غامض؛ وكان واضحا أنها مستعدة للتنازل عن الدولة وما فيها مقابل الحصول على السيادة المزعومة؛ كما يظهر جلياً في هذه الفقرة من البيان المشترك للحوار الاستراتيجي بين أمريكا وقطر.
"وبحثت الحكومتان برنامج المبيعات الخارجية للأسلحة الأمريكية الذي تصل قيمته 24.7 بليون دولار أمريكي والقائم حاليا بين الولايات المتحدة وقطر، منذ عام 2014، استخدمت قطر صندوقها السيادي لشراء أحدث الأنظمة العسكرية المتطورة وإجراء تدريبات مكثفة في المرافق الأمريكية، وتشيد الولايات المتحدة بالحكومة القطرية على قيامها بتلك المشتريات، مشيرة إلى أنها قد نجم عنها توفير أكثر من 110.000 وظيفة للأمريكيين وحافظت على استمرارية القدرات العسكرية الهامة للولايات المتحدة".
كلنا نعلم أن المصالح هي ما يتحكم في العلاقات بين الدول؛ وقاعدة صديق العدو عدو ليست في قاموس السياسة، إلا أننا جميعاً نعلم الموقف الأمريكي من الأزمة القطرية، كما نذكر التصريحات التي صدرت من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية؛ والتي دانت قطر في موضوع الإرهاب، كما نعلم أيضاً أن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب دول صديقة للولايات المتحدة وتربطها بها علاقات استراتيجية أقدم وأقوى من العلاقات مع قطر؛ لذلك ليس مطروحاً أن تميل الولايات المتحدة للجانب القطري مهما وقّعت قطر من اتفاقيات على حساب ثروة الأجيال القطرية القادمة؛ ففي النهاية لا يمكن لدولة لا تحترم سيادة الدول أن تجد عوناً من الآخرين للحفاظ على سيادتها.
كيف لقطر أن تتحدث عن السيادة وهي تضع يدها في يد إيران أكثر دولة لا يعني احترام سيادة الدول لها شيئاً؛ إيران التي تضع يدها على أربع عواصم عربية (دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد)، يعيث فيهم الحرس الثوري فساداً، إيران التي تتدخل في شؤون جميع دول العالم عموماً ودول الخليج خصوصاً بما فيها قطر، إيران التي تطمح لتصدير ثورتها للعالم، إيران التي ترسل سلاحها للمليشيات لزعزعة الاستقرار في الدول العربية.
يجب ألا ننسى أن قطر التي تتحدث عن السيادة، هي نفسها التي دعت لتدويل السيادة على الحرمين الشريفين في تعد صارخ على سيادة المملكة العربية السعودية؛ وهي نفسها قطر التي دعمت ما يسمى بالثورات العربية على أنظمة شرعية معترف بها دولياً؛ وسخّرت المال وزوّدت بالسلاح لقلب هذه الأنظمة وما زالت ليبيا وسوريا ومصر وتونس واليمن تعاني من هذا التدخل إلى اليوم.
ماذا يقول النظام القطري المنادي باحترام سيادته لطفلة تاورغاء التي سمعنا صوتها مدوياً تنادي بالرجوع لمدينتها لتسكن تحت نخلة؛ بعد أن منعتها مليشيا مسلحة مدعومة من قطر الأسبوع الماضي من العودة لديارها ... ماذا تقولون لها بعد أن عثتم في سيادة بلدها فساداً؟
فلتعلموا يا حكام قطر أنكم من تدخلتم في سيادة الآخرين، وأنكم من دمرتم بلدان الآخرين، وأنكم ستشربون من الكأس التي سقيتم منها الآخرين عندما تدخلتم في سيادتهم .. أم أنكم نظام الله المختار الذي يحقُّ له ما لا يحقُّ لغيره؟
ربما يكون الاتحاد العالمي لـ"علماء المسلمين" قد أفتى لكم بذلك؛ كما أفتى بجواز قتل رؤساء الدول التي اعتديتم على سيادتها.