في بيت شعر نواكشوط: ندوة عن ترجمة الشعر العربي إلى اللغات العالمية الحية | صحيفة السفير

في بيت شعر نواكشوط: ندوة عن ترجمة الشعر العربي إلى اللغات العالمية الحية

جمعة, 09/03/2018 - 14:00

أبان عدد من الأكاديميين والأدباء والمثقفين الموريتانيين عن أهمية ترجمة الشعر العربي إلى اللغات العالمية الحية، وذلك لإطلاع أمم العالم وحضاراته على الأصالة والإبداع العربيين، وعلى كنز الحضارة العربية المتمثل في ديوانها الشعري بقيمه الإنسانية، وثرائه الفكري والمعرفي والاجتماعي.

وأكد هؤلاء في مداخلات خلال ندوة "ترجمة الشعر العربي إلى اللغات الحية.. إشكالات وآفاق"، التي نظمها بيت الشعر - نواكشوط مساء أمس (الخميس)، أنهم يتطلعون من المؤسسات العربية المعنية بالثقافة والفكر إلى السعي لترجمة الشعر العربي إلى اللغات العالمية الحية، وخاصة اللغات التي تتصدر الآن المنظومة اللغوية في العالم.

وشهدت الندوة عرضين قدمهما كل من الدكتور إدوم محمد الأمين، المكلف بهمة لدى رئاسة الجمهورية سابقا، والمؤلف الروائي، ورئيس قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة نواكشوط العصرية، وكذا الدكتور حمين ولد إسلم، أستاذ الترجمة في كلية الآداب بجامعة نواكشوط العصرية ومنسق قسم اللغات التطبيقية والترجمة بنفس الجامعة.

وبدأت الندوة بكلمة للأستاذ الدكتور عبد الله السيد مدير بيت شعر نواكشوط، ركز فيها على أهمية موضوع الندوة، والإشكالات التي تثيرها الترجمة عبر العصور وعبر أمم العالم وعلمائه ومثقفيه ومؤلفيه، مؤكدا الدور المحوري للترجمة في تطور الحضارات البشرية عبر الحقب.

وقدم ولد السيد تعريفا ضافيا بالمحاضرين ومكانتهما العلمية وصلتهما الوطيدة بحقل الترجمة والأدب.

بعد ذلك استمع الحضور إلى الدكتور إدوم محمد الأمين، الذي قدم عرضا ركز فيه على ترجمة الشعر الموريتاني إلى اللغة الفرنسية من خلال تجربة "دليل الأدب الموريتاني".

وبعد تعريفه بمصطلحات الترجمة، تحدث ولد محمد الأمين عن ترجمة الشعر، التي أورد فيها قولان: أولهما القول باستحالة ترجمة الشعر باعتباره، وفق المتحججين بهذا القول عبارة عن صور ينسجها الخيال مجازا وأحاسيس وجدانية، ومن غير الوارد أن يتم نقله من لغة إلى لغة أخرى دون فقدان بعض فنياته وخصائصه أو على الأقل تحريفه تحريفا قد يكون مخلا، مذكرا بأن من القائلين بهذا الاتجاه الشاعر بينيفينست والشاعر الإيطالي دانته، الذي نهى عن ترجمة الشاعر الإغريقي هوميروس وقال إنه لا يمكن نقل أي من الأمور التي وضعها في تناغم عن طريق رباط الشعر دون كسر عذوبتها وتآلفها. دانته لا يقول بنقل النصوص الملحمية من لغتها الأصل رغم هيمنة بعدها الروائي السردي على بعدها الشعري فكيف بالغزل والنسيب وما إليهما من شعر العاطفة والإحساس؟

وتحدث محمد الأمين عن "كيفيات ترجمة الشعر" من الإيقاع، الموسيقى، العروض والأصوات المتناغمة، مشيرا إلى أن ترجمة الشعر غالبا ما تحوله إلى نثر متشاعر أي ترجمة معان، ضاربا أمثلة من ترجمات لقصائد عربية إلى الفرنسية، والعكس.

أما الاتجاه الثاني حول ترجمة الشعر فيدعو إلى "تحويله بطريقة مبدعة" كما يقول الروسي رومان جاكوسبون حتى يتحرر المترجم من محاكاة الأصل ومطابقة الترجمة والاكتفاء بالحد الذي يسميه ميشيل ليرييس "العيب الضمني" بدل الطمع في التغلب عليه.

وكان المحاضر قد عمل هو وزملاؤه نيكولاس مارتين أكرانل وجورج افواسيت بالقول الثاني في تعاملهم مع الشعر الموريتاني  في إطار العمل الذي أنجزوه تحت عنوان "دليل الأدب الموريتاني.. مختارات منهجية" ونشر عن دار لارمتان عام 1992.

أما الدكتور حدمين ولد إسلم، فقد ألقى بدوره عرضا تحت عنوان "ممارسة الترجمة ومفهومها"، وأوضح أن الترجمة ممارسة قديمة قدم الإنسان ومع ذلك فهي مشكوكة البنوة، ولا يعرف حتى الآن مصطلح دقيق بشأن تعريفها ولا إلى أي فروع المعرفة تنتمي، هل هي إلى الآداب، أم هي إلى التاريخ، أم الميثيولوجيا أم السوسيولوجيا... إلخ.

وتطرق لأول إشكالات الترجمة المطروحة قديما، هل هي أدبية أم علمية؟ بمعنى آخر هل هي عمل فني أم عمل علمي؟ مؤكدا أن السؤال ما يزال مطروحا إلى اليوم.

وقال إن الترجمة الأدبية، المطروحة للنقاش في هذه الندوة، من أكثر الترجمات صعوبة وطرحا للإشكال والخلاف منذ قديم الزمان وإلى اليوم.

وقال "بغض النظر عن مختلف النظريات عن الترجمة الأدبية فثمة رؤى ونظريات تمشي بين الاستحالة والإمكانية". وبـيَّـن أن الذي خلص إليه مجمل الدارسين أن الترجمة عموما ممكنة إذا توفرت شروط معينة، من أهمها امتلاك ناصية اللغتين: لغة المنطلق ولغة الهدف، وامتلاك ناصية الفروع المكملة لناصية هاتين اللغتين من ثقافة وأدب وحضارة، وأضاف الدارسون بخصوص الترجمة الأدبية شرطا آخر وهو أن يكون ثمة ما يسمى بالملكة أو الموهبة الأدبية.

وقال "لا خلاف أن الترجمة العلمية ممكنة، ولكن الترجمة الأدبية ممكنة بهذه الشروط".

 أما ترجمة الشعر، يقول المحاضر، فقد تم التطرق إليها من طرف القدامى، وربما يكون الجاحظ من أوائل الذين ناقشوها في كتابه الحيوان، والفصل الذي عقده لترجمة الشعر، وخلاصة رأي الجاحظ في هذه المسألة أن ترجمة الشعر مستحيلة، ولكن هذه الاستحالة قائمة على نظرية سوسيو ثقافية تجعل من العرب أمة فوق الأمم والشعر إنتاج فوق إنتاج الأمم الأخرى، وبالتالي فإن الشعر العربي إذا نقل إلى لغات الأمم الأخرى فقد أربع خاصيات هي التي تكسبه قوته وشعريته.. فقد النظم والوزن والقيمة الأدبية والشحنة الإبداعية الدافعة لانفعال المرء وانجذابه إلى الشعر بحكم قوته.

وقال إن نفس رأي الجاحظ شاطره فيه آخرون، ومنهم كانط، وحتى الشكلانيون الروس فيما بعد، والذين يعتبرون أن الشعر لا يمكن أن يترجم وإذا ترجم فقد هذه الخصائص التي أطلقوا عليها "القوة الإبداعية"، التي تجعل الشعر إبداعا.

وأضاف "لكن بعض رواد المدرسة الفرنسية الحديثة يعتبرون أن الشعر يمكن أن يترجم بشروط، وهي نفس التي تم ذكرها سابقا،بالإضافة إلى أن يكون المترجم شاعرا هو الآخر".

وتحدث المحاضر في هذا الإطار عن أمثلة من الترجمات الشعرية الخالدة كترجمة الشاعر اللبناني نيكولا فياض لقصيدة "البحيرة"، والتي ترجمها ترجمة خالدة حاكى فيها نونية ابن زيدون، وهي قصيدة ترجمت ثمانية وعشرين مرة كلها نثرية إلا ترجمتي نيكولا فياض وعبد المحسن طه؟ 

وخلص المحاضر إلى آراء وأمثلة طرحت في دراسات وملتقيات علمية في عدة دول، وبينت أن الشعر لا يمكن ترجمته إلا من طرف الشعراء.