عندما أقدم قادة المؤسسة العسكرية في موريتانيا، فجر الثالث من أغسطس 2005، على إنهاء حكم الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع؛ هلل معارضو هذا الأخير لما اعتبروها "فرصة ذهبية" لتحقيق طموحهم الجامح في الوصول إلى السلطة فور انقضاء المرحلة الانتقالية التي تعهد قادة البلاد العسكريون الجدد باحترام نتائج مسارها الانتخابي المنبثق عن "الإجماع الوطني" الذي كلل جلسات "الأيام التشاورية" بمشاركة كافة القوى السياسية في البلد.
غير أن ذلك الجو غير المسبوق من الانفتاح السياسي والمؤسسي القائم على الحياد المعلن لرئيس وأعضاء المجلس العسكري الحاكم وحكومته، وتوفر ضمانات داخلية ودولية قوية؛ قابله اتساع في دائرة الطموح الشخصي لدى قادة القوى السياسية المعارضة لنظام الرئيس المخلوع؛ خاصة رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه، وزعيم التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير؛ ليتحول الأمر - لاحقا - إلى صراع تنافسي مفتوح بين الرجلين الذين غلب على مواقفهما الكثير من "سوء التقدير".
كانت البداية بموقف الرئيس مسعود في الشوط الثاني من رئاسيات 2007 حين خرج على إجماع مرشحي "منسقية أحزاب المعارضة" بدعمه المرشح سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله المدعوم من بعض قادة الجيش والقوى التقليدية الخارجة لتوها من عباءة نظام ولد الطايع، على حساب رفيقه التاريخي أحمد ولد داداه.
جاء الخطأ الموالي من ولد داداه (زعيم المعارضة الديمقراطية) الذي بادر بدعم الانقلاب العسكري الذي أطاح بولد الشيخ عبد الله يوم 6 أغسطس 2008، والذي تصدى له ولد بلخير (رئيس الجمعية الوطنية) على رأس "الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية".
الخطأ الثالث جاء من الرئيس أحمد ولد ولد داداه، أيضا، عندما نأى بنفسه عن قادة الانقلاب دون الالتحاق بمناوئيهم؛ ودخل حزبه في مفاوضات دكار (طرف ثالث) لإنهاء الأزمة السياسية في موريتانيا قبل أن ينافس مرشح "الجبهة" مسعود ولد بلخير في رئاسيات 2009 التي تم حسمها لصالح قائد الانقلاب السابق محمد ولد عبد العزيز في الشوط الأول.
أعادت قوى المعارضة ترميم صفوفها من خلال الأعلان عن قيام "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" ليجد الرئيسان مسعود وأحمد نفسيهما - مجددا - في خندق واحد.
ثم جاء موقف زعيم التحالف الشعبي التقدمي بالمشاركة - مع اثنين قادة أحزاب المنتدى - في حوار سياسي مباشر مع السلطة؛ رغم قرار الكتلة التي ينتمون لها مقاطعته.
ولم يطل بقاء زعيم "التكتل" داخل المنتدى بعد خروج "خصمه الحميم" ولد بلخير والتحاقه، رفقة بيجل ولد هميّد (حزب الوئام) و عبد السلام ولد حرمة (حزب الصواب) بركب "المعارضة المسؤولة"؛ إذ أعلن ولد داداه عن تجميد عضوية حزبه داخل المنتدى رغم بقائه متمسكا بخيار "المعارضة المقاطعة".
وفيما شكل موقف الرئيس مسعود سندا سياسيا "مهما" للسلطة في مواجهة المنتدى والتكتل؛ كان موقف الرئيس أحمد "ضربة" لمنتدى المعارضة الذي تحول إلى "كشكول" من هيئات المجتمع المدني وقدماء السياسيين 'المحترفين" ضمن أنظمة حكم سابقة، وتشكيلات حزبية يقودها سياسيون هواة؛ يتجاذبها حزبان سياسيان بأيديولوجيتين متنافرتين؛ كان "العمل السري" (وما زال) أبرز سمات قادتهما.
من صفحة الكاتب الصحفي السالك ولد عبد الله