في ظرف تكويني تُرسم فيه ملامح انعطاف سياسي كبير في مسيرتنا الوطنية، تدعو الحاجة إلى الابتعاد عن المراهنات المغشوشة والرهانات الرديئة والحذر الشديد من كل ما قد يؤدي إلى مستنقعهما، واستدعاء ظهور فئة من النساء والرجال تراجع أغلاطها وتتقوى بتحديد أهداف من شأنها أن تسمو بها وتحفزها، بعد أن استهلكت مظاهر الضعف الإنساني كثيرا من بريق العمل السياسي الوطني القائم على الثقة بالنفس والتفاؤل بقدرة المجتمع على النهوض من كبوته وواقعه المختل، والإيمان بأن الآني ليس أزليا، ولم توجد الأفكار وحامليها إلا للبحث عن ما هو أفضل منه، وما هو افضل منه لا يدرك بالعدمية والاستسلام القدري، ولا بالتنطع بشعارات غالبا ما تكون مطية للتسلق والوصول العاجل.
إنقاذ السياسة من مواصلة التقهقر ورد الاعتبار للعاملين فيها سبيله الاثبات الفعلي أن من يقودنا في المعارضة الديمقراطية لا يتبع خطى التجارب السابقة ولا يواصل إنتاج العبثية السيزيفية التي تسقط فيها الصخرة باستمرار في لحظات الوصول الأخيرة ، وأن من يقودنا لا يضع خططه في مختبرات مغلقة معزولة عن جمهوره العريض واختماراته وهواجسه وهمومه وأفاقه، وأنه يستشعر سيف الوقت في استحقاقات دستورية حلت آجال بعضها وداهمت آجال بعضها الآخر، وتحتاج أن نعبئ لها بالاعتماد على أهواء وأحلام ومصالح شعبنا ونزوعه للسلم والحرية والسعادة والرفاه.. يحتاج إنقاذ السياسة أن تكف المعارضة الديمقراطية عن تسمية الأشياء بغير مسمياتها ووقف لعبة وهواية الانقسام والاقتتال الداخلي الدائم، ومواجهة الموريتانيين بموقف صريح موحد يؤكد أهليتها الأخلاقية وقدرتها النضالية على ابتكار ما تَنْقادُ به الهمم في البحث عن تناوب سلمي للسلطة وانتقال ديمقراطي منشود، والتعامل غير الشعاراتي مع انتخابات يضع النظام العقبات والحواجز امام إجرائها في أدنى حدود التوافق حتى مع الذين عبروا منفردين إلى ضفة الحوار معه غير مثقلين بأخلاق الشراكة السياسية، وتقاليدها المعهودة.
أنقاذ السياسة ليس شيئا آخر غير البرهنة على جدوايتها اليوم في تحقيق ما يتطلع اليه الموريتانيون في الاستحقاقات القادمة، وترميم الجسور المحطمة بين الباحثين عن التغيير الفعلي وأدوات العمل السياسي الطبيعية التي ما زال بمقدورها رغم الكبوات المتتالية استعادة أخذ زمام المبادرة في المشهد كله ومعالجة مكامن ضعهفا، وتضميد جراحها، والتركيز على مواطن قوتها الكثيرة جدا والكفيلة بتحقيق طموح الموريتانيين اليوم.
افتتاحية حزب الصواب، بتاريخ: 26/04/2018