تُعَدُّ البنية التحتية، وخاصة منها شق الطرق، أهم إنجازات هذا النظام في بداية عهده، ويعدُّ تسجيل مليون ومائة ألف منتسب للحزب الحاكم إنجازا غير مسبوق في نهاية هذا العهد. ذلك هو ما تقوله القراءة غير المتبصرة لتلك "الإنجازات"، أما القراءة المتبصرة والواعية فتقول بأن الطرق وتسجيل مليون ومائة ألف منتسب للحزب الحاكم قد شكلتا عنوانين بارزين في لائحة طويلة من الإخفاقات التي طبعت هذا العهد.
الطرق وعمليات الهدم التي لا تتوقف!
في بداية عهده كان نظام محمد ولد عبد العزيز يفتخر بإنجازاته في مجال البنية التحتية، وخاصة في مجال الطرق. وأذكر بأنه في السنوات الأولى من هذا العهد كان وزير التعليم إذا تحدث عن إنجازات النظام تحدث عن الطرق، وإذا تحدث وزير العدل عن إنجازات النظام تحدث عن الطرق، وإذا تحدث وزير التنمية الريفية عن تلك الإنجازات تحدث عن الطرق.
اللافت في الأمر أن الحديث عن الطرق قد أصبح في نهاية هذا العهد يثير غضب النظام، فيكفي لإثارة سخط هذا النظام أن تُظهر صورة مقطع متهالك من طريق (روصو- نواكشوط) أو مقطع متهالك من طريق "الأمل"، أو أن تبدي تذمرا من طرق العاصمة التي أصبحت مليئة بالحفر سواء منها تلك الحفر الناتجة عن رداءة الطرق وتهالكها، أو تلك الناتجة عن الأعمال المرتبطة بشبكة الماء أو الكهرباء أو الصرف الصحي .
كان شارع جمال عبد الناصر من الشوارع التي اهتم بها نظام ولد الطايع، وأنفق ذلك النظام مبالغ طائلة على شق ممر يقسم الشارع إلى شطرين، وكان ذلك الممر يساعد الراجلين في العبور الآمن، كما كان يساعد في تخفيف زحمة السير وذلك لأنه كان يجبر أصحاب كل اتجاه على أن يحترموا الشطر المخصص لهم من الشارع، ومثل ذلك أمر في غاية الأهمية في بلد تسوده الفوضى ولا تحترم فيه قوانين السير. تم غرس عدد كبير من الأشجار في ذلك الممر وقد أنفق على ذلك مبالغ طائلة. بعد وصوله إلى السلطة قرر الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يقضي على ذلك الممر، وأن يقضي على الأشجار، وأن يجعل الشارع متصلا من دون شطرين، وقد أنفق على ذلك مبالغ ضخمة.
ليست هذه هي الحالة الوحيدة من نوعها التي أنفقت فيها أموال ضخمة في عملية إفساد متعمد، فهناك عمليات كثيرة من هذا النوع. لقد أنفق النظام الحالي أموالا طائلة على تثبيت أعمدة الطاقة الشمسية في بعض الشوارع، ثم أنفق أموالا أخرى للقضاء على تلك الأعمدة، ويبقى شارع "صكوك" من الأمثلة الحية على ذلك. أنفق أيضا هذا النظام أموالا ضخمة لجلب الحجارة ولبناء أرصفة على بعض الشوارع، وأنفق أموالا أخرى لهدم تلك الأرصفة ولنقل الحجارة من تلك الشوارع. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن مطبات تخفيف السرعة التي تم وضعها على بعض الشوارع التي تمر ببعض الأمكنة الحساسة، وذلك من قبل هدمها لكي يعود الشارع مسطحا كما كان. يمكن أن نضيف إلى كل ذلك أن النظام القائم قد شق طرقا هامة، وأنفق عليها أموالا ضخمة، ولكنه بدأ الآن في هدمها لصالح الصرف الصحي ولصالح أمور أخرى، وكأنه يوم شيد تلك الطرق لم يكن يفكر في الصرف الصحي ولا في غيره من التجهيزات التي يحتاجها توفير الماء أو الكهرباء أو الاتصالات الهاتفية.
إن الإخفاق في مجال الطرق يظهر من خلال عدة أوجه، ولعل من أبرزها:
1 ـ تهالك الطرق الحيوية، وسواء تعلق الأمر بطريق "الأمل" أو بطريق "روصو ـ نواكشوط" أو "بطريق لعيون كبني"، أو تعلق الأمر بشبكة الطرق الداخلية في العاصمة نواكشوط والتي أصبحت شبكتها الطرقية في حالة يرثى لها بسبب عدم الصيانة، وبسبب الأشغال المرتبطة بالصرف الصحي.
2 ـ لا معنى لأي حديث عن تطور في الطرق إذا لم ينعكس إيجابا على واحد من أمرين ، أو عليهما معا، وهما انسيابية حركة المرور وخفض أسعار تذاكر النقل. ومن المعروف بأن الزحمة في العاصمة نواكشوط قد أصبحت لا تطاق، كما أن سعر تذاكر النقل قد تضاعف بين مقاطعات العاصمة، فارتفع من مائة أوقية إلى مائتين بالحساب القديم، وذلك على الرغم من الانخفاض الكبير في سعر النفط في الأسواق العالمية.
3 ـ القضاء على الشركة الوطنية لصيانة الطرق.
يبقى أن أشير في نهاية هذه الفقرة بأني قد تعمدت تكرار استخدام كلمة قضى بمعناها الذي يعني الإزالة، وذلك لكثرة استخدامها بالقول والفعل من طرف هذا النظام الذي قضى على الشيوخ والعلم والنشيد والأوقية و..و..
نكتة المليون ومائة ألف منتسب
مرة أخرى أعود إلى نكتة المليون ومائة ألف منتسب للحزب الحاكم، وذلك لأبين وبالأرقام بأننا أمام نكتة سخيفة، وبأنه على من يصدق بأنها من الإنجازات الهامة أن يذهب إلى زيارة طبيب نفسي أو إلى مشعوذ، فمثل هذه النكت السخيفة لا يليق بالعقلاء اعتبارها من الإنجازات التي تستحق التثمين والإشادة.
تقول هذه النكتة السخيفة بأن الحزب الحاكم قد تمكن لوحده من تسجيل مليون ومائة ألف منتسب من لائحة انتخابية يوجد بها حسب الاستفتاء الأخير 1.389.092 ناخب..هذا يعني بلغة الإحصائيات بأن الحزب الحاكم قد استولى على 80% من اللائحة الانتخابية، وأن المنتدى والتكتل والمعارضة المقاطعة والمعارضة الموالية والموالاة المعارضة والمسجلين من خارج الأحزاب السياسية أن كل هذا الخليط غير المتجانس عليه أن يتقاسم ال20% الباقية.
وتقول هذه النكتة السخيفة بأن الحزب الحاكم في موريتانيا والتي لا يصل عدد سكانها إلى أربعة ملايين نسمة حسب آخر تعداد، قد تمكن من جمع عدد من المنتسبين يضاعف ثلاث مرات ما جمعه الحزب الحاكم في فرنسا ( الجمهورية إلى الأمام)، والتي يزيد عدد سكانها عن 60 مليون نسمة.
وتقول هذه النكتة السخيفة بأن الحزب الحاكم في موريتانيا، والذي سيكمل عامه التاسع في الخامس من هذا الشهر قد تمكن من جمع عدد من المنسبين يضاعف سبع مرات عدد المنسبين للحزب الحاكم في بريطانيا (حزب المحافظين)، والذي يزيد عمره على 186 عاما، مع العلم أن عدد سكان بريطانيا يزيد على سكان موريتانيا ب61 مليون نسمة!
وبلغة إحصائية أخرى فإن هذه النكتة السخيفة تقول بأنه من أجل أن تحصل على منتسب واحد للحزب الحاكم في فرنسا ( الجمهورية إلى الأمام) فإنه عليك أن تجمع 150 مواطنا فرنسيا، ومن أجل أن تحصل على منتسب واحد لحزب المحافظين وهو الحزب الحاكم في بريطانيا فإنه عليك أن تجمع 524 مواطنا، ومن أجل أن تحصل على منتسب واحد للحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، أي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، فإنه عليك أن تجمع 72 مواطنا من جنوب إفريقيا، ومن أجل أن تحصل على منتسب واحد لحزب نداء تونس فإنه عليك أن تجمع 90 تونسيا، وفي لبرازيل فإنه يلزمك للحصول على مواطن برازيلي واحد ينتمي للحزب الاشتراكي، أي الحزب الحاكم هناك، فإنه عليك أن تجمع ثلاثة آلاف مواطن برازيلي. أما في موريتانيا فإنك لا تحتاج للحصول على منتسب واحد للحزب الحاكم إلا أن تجمع ما بين 3 إلى 4 مواطنين موريتانيين، هذا إذا ما صدقنا نكتة المليون ومائة ألف منتسب.
الآن، هل صدقتم بأننا أمام نكتة سخيفة؟ إذا لم تصدقوا ذلك، فليس لي إلا أن أدعو لكم بالمزيد من الصحة العقلية.
شيء آخر : لو كنت عضوا في لجنة إصلاح الحزب الحاكم لطلبت من اللجنة أن تعد المنتسبين للحزب بالحساب الجديد، حتى يصبح عدد المنتسبين مائة وعشرة آلاف، فمثل هذا الرقم هو أقرب للجدية، وهو يعني بأن هناك عملية إصلاح. أما الحديث عن مليون ومائة ألف منتسب فيعني بأننا أمام عملية فساد وإفساد غير مسبوقة في تاريخ الأحزاب الحاكمة.
حفظ الله موريتانيا..