تشهد الساحة الموريتانية انتعاشا سياسيا ملحوظا تزامنا مع اقتراب موعد الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية المقررة في مطلع أيلول/سبتمبر المقبل بمشاركة أكثر من 90 حزبا سياسيا.
وحسب الأرقام التي نشرتها اللجنة المستقلة للانتخابات، يتوقع أن تتنافس 1590 لائحة انتخابية على 219 مجلسا بلديا و161 لائحة على 161 مجلسا إقليميا، فيما بلغ عدد المرشحين الذين سيتنافسون على المقاعد البرلمانية (157 مقعدا) خمسة آلاف مرشح.
وما يميز هذه الانتخابات في موريتانيا، هي كونها تنظم قبل شهور قليلة فقط من الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان/أبريل 2019 المقبل و بعد عودة الأحزاب المعارضة إلى اللعبة السياسية بعد غياب دام 12 سنة (أي منذ انتخابات 2006).
برام الداده العبيد... المرشح السجين
كما يأتي الاقتراع أيضا في جو سياسي واجتماعي مشحون ومضطرب على خلفية اعتقال المعارض برام الداده العبيد، الذي يعتبر أحد أبرز المرشحين والمعارضين لسياسية الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي لم يخفي نيته الترشح لعهدة رئاسية ثالثة على الرغم أن ذلك يتعارض مع الدستور الموريتاني.
وسجن هذا المعارض في بداية شهر أغسطس/آب الجاري في العاصمة نواكشوط بتهمة "التحريض على العنف" و"التهديد".
لكن حسب الصحافي الموريتاني يايا شريف كان، "هذه التهم مفبركة وغير حقيقية لأن المبتغى الحقيقي من الاعتقال، هو حرمانه من المشاركة في الانتخابات التشريعية لأنه يملك شعبية واسعة داخل موريتانيا وخارجها بسبب نضاله ضد نظام العبودية".
من جهتها، انتقدت منظمة العفو الدولية "توقيف واعتقال" معارضين وناشطين ضد العبودية، معتبرة أنها "أسوأ مؤشرات الترهيب والمضايقة والقمع من قبل السلطات للأصوات المعارضة المنشقة" مع اقتراب موعد الانتخابات.
مخاوف من وقوع حالات تزوير
وفي حوار مع قناة "تي في 5" الدولية والناطقة بالفرنسية، اعتبر يايا شريف كان أن "ظروف تنظيم انتخابات نزيهة وحرة في موريتانيا غير متوفرة لغاية الآن" فيما شكك" في استقلالية ونزاهة اللجنة الوطنية المنظمة للانتخابات كونها لا تحتوي على أعضاء من المعارضة فضلا عن اعتمادها على قائمة انتخابية موازية".
وقال يايا شريف كان "أقولها بكل صدق، اليوم بعض المراقبين يخشون وقوع حالات تزوير" مشيرا إلى أنه "ليس من صلاحية رئيس الدولة أن يشارك في الحملة الانتخابية أو يساند حزبه انطلاقا من مبدأ أنه رئيس جميع الموريتانيين فالدستور إذا يمنعه من بذلك".
ولد عبد العزيز نحو عهدة ثالثة؟
وأضاف الصحافي :"أعتقد أن الرئيس محمد ولد عبد العزير يغتنم فرصة الانتخابات التشريعية لأنه لديه هدف خفي وهو الترشح لعهدة رئاسية ثالثة. والدليل هوأنه قام ببعض الإصلاحات الدستورية التي يفترض أن تسهل له المهمة في الوقت المناسب".
هذا، وقد شارك الرئيس الموريتاني في الحملة الانتخابية بصفة مكثفة وقام بزيارة مدن وبلدات موريتانية عدة باسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي يحكم البلاد.
وقال خلال التجمع الانتخابي الذي نظمه حزبه السبت الماضي بمدينة روصو جنوب البلاد إن "الذين يطالبون بمأمورية ثالثة ملزمون بالتصويت الكثيف لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية لكي يتحصل على أغلبية برلمانية مريحة يستطيع من خلالها تمرير التعديلات ومشاريع القوانين الضرورية لذلك".
توحيد المعارضة
ومن خلال ما قاله محمد ولد عبد العزيز، يتضح جليا أن الانتخابات التشريعية ليست فقط معركة برلمانية بين الأحزاب، بل هي انتخابات ستحدد معالم المشهد السياسي بشكل نهائي في البلاد العام المقبل.
إلى ذلك، شكلت بعض الأحزاب الموريتانية المعارضة تحالفا انتخابيا سمته "التحالف من أجل التناوب الديمقراطي" والذي يضم عشرة أحزاب، من بينها "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" وحزب "اتحاد قوى التقدم" وحزب "الاتحاد والتغيير الموريتاني".
وفي تصريح صحفي، قال محمد ولد الخليل، نائب رئيس حزب اتحاد قوى التقدم "إن هدف الاتفاق توحيد القوى المعارضة في البلد من أجل فعالية أكثر في الانتخابات "، مضيفا أن "النظام حاليا في موريتانيا يسعى لاختطاف البلد وتنظيم انتخابات أحادية وغير توافقية، غير أن قوى المعارضة قررت أن تشارك بفعالية وقوة في هذه الانتخابات من أجل قطع الطريق على استمراره (النظام) في اختطاف البلد وتبديد ثرواته".
تغيير العلم والنشيد الموريتانيين
لكن المحلل الموريتاني الشيخ داداه ولد آباه قال في تصريح لموقع "عربي21" "إن حظوظ" اتحاد قوى التقدم " بالفوز بأكبر قدر من المقاعد ضئيلة جدا بسبب ضعف إمكانيته المادية والبشرية وعدم تغطية جميع التراب الموريتاني".
وسيشتد الصراع بينه وبين حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس ولد عبد العزيز والمتهم من قبل المعارضة بالاستفادة من الإمكانيات المالية والبشرية التابعة للدولة.
وبجانب الحزب الحاكم، يعول حزب "التواصل" الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي بقيادة محمد محمود ولد سيدي على مشاركة واسعة للموريتانيين لانتزاع أكبر عدد من المقاعد في البرلمان المقبل بعدما كان حاضرا بـ16 نائبا في البرلمان السابق وتولى إدارة عدد كبير من البلديات في موريتانيا.
وينتمي حزب "تواصل" إلى المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الذي رفض الحوار مع السلطة وقاطع استفتاء على تعديل الدستور الذي أسفر عن تغيير العلم والنشيد الوطنيين وإلغاء مجلس الشيوخ.
ومن بين التكتلات الأخرى التي ستشارك في التشريعيات، يمكن ذكر "التحالف الانتخابي للمعارضة الديمقراطية" الذي يشمل 17 حزبا بقيادة الرئيس الدوري محمد ولد مولود. وقال هذا الأخير: "إن الأحزاب الموقعة على الاتفاق ستتصدى لأي محاولة للتلاعب بالانتخابات أو تزويرها، وأشار ولد مولود إلى أن اللجنة المستقلة للانتخابات (الجهة المشرفة على الانتخابات) غير جاهزة فنيا لتنظيمها".
لكن يبدو أن محمد ولد عبد العزيز (61 عاما) لا يبالي بما تقوله المعارضة، إذ دعا الموريتانيين إلى "التصويت بكثافة" لحزبه الاتحاد من أجل الجمهورية، للاستمرار في طريق الإنجازات العظيمة والتصدي لسوء الإدارة"، واصفا قادة المعارضة بأنهم "لصوص" و"مثيرو شغب".
وتجدر الإشارة إلى أن محمد عبد العزيز وصل إلى الحكم بانقلاب في 2008، ثم انتخب في 2009 رئيسا للبلاد وأعيد انتخابه في 2014.
وتأتي الانتخابات النيابية في وقت تعاني فيه موريتانيا من مشاكل اقتصادية جمة وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين فنسبة الفقر تجاوزت 30 بالمائة في بلاد يتجاوز عدد سكانها أربعة ملايين نسمة.
ورغم بلوغ نسبة النمو 3 بالمائة العام الماضي فإن مؤشرات التنمية تصنف موريتانيا في أسفل السلم على جميع المستويات. ضف إلى ذلك استمرار وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان حسب المنظمات غير الحكومية.
فهل ستأتي الانتخابات البرلمانية المقبلة بجديد وهل ستعيد الأمل للموريتانيين؟
فرانس24