بمحضارة حملت عنوان: "البعد الروحي للعلاقات المغربية الموريتانية"، ووسط حضور كوكبة من رواد الفكر و الثقافة، افتتح المركز الثقافي المغربي في انواكشوط مساء اليوم الاربعاء موسمه الثقافي الجديد 2018/2019 .
المحاضرة التي قدمها الدكتور محمذن ولد المحبوبي، غاصت في الإغتباطات الموحية والرباطات الروحية بين الشناقطة وأشقائهم المغاربة، وتضمنت وقفات مع جهود أئمة التصوًف والسلوك في البلدين وتأثيرها على تربية النفوس وإنارة الحلوك، حسب تعبير المحاضر.
وركز المحاضر في عرضه على "الجانب الروحي" وخصوصا المتعلق بتطهير القلوب وتزكية النفوس، موضحا بأن الحواضر المغربية كانت تشع من نورها المعرفي على جاراتها المغاربية، متسائلا عن كيف اثرت تلك الرابطات الروحية على المجتمعات؟، وكيف تم التبادل الصوفي بين المنطقتين؟ وما أبرز البصمات السلوكية التي انطبعت بها حياة النخب والعوام؟
وتعرض النحاضر في هذا المحور لمسألتين أوالهما تعنى باستنطاق العنوان وإبراز دالالته، وثانيتهما تهتم بتأصيل الموضوع والتوقف مع أبرز محطاته.
دلالات العنوان:
يقوم عنوان هذا الجهد على ثالثة تركيبات نحوية أولها عطفي قام مقام المبتدأ وثانيهما نعتي جاء خبرا عن المبتدأ وثالثها نعتي جاء معطوفا على الخبر. فالتركيب الأول: "المغاربة والشناقطة" يقوم على جمعين مباركين أولهما "المغاربة" جمع مغربي نسبة إلى المملكة المغربية، وثانيهما "الشناقطة" نسبة إلى بلاد شنقيط التي كانت تطلق قديما على المجال الجغرافي المعروف اليوم بموريتانيا.
أما التركيب الثاني: فهو مفتوح بـ"اغتباطات" وهي جمع اغتباط مصدر اغتبط به اغتباطا إذا فرح به، والغبطة أن يتمنى المرء مثله، و"الموحية" أي ذات الدلالة العميقة.
ما للمغبوط من نعمة من غير أن يتمنى زوالها عنه.
أما التركيب الثالث فهو مفتتح بـ" الرباطات" جمع رباط وهو ما يربط به، والمقصود هنا الصالة الوثيقة والأواصر الحميمة. وقد وصفت هذه الرباطات بلفظ "الروحية" نسبة إلى الروح وهي ما به حياة الإنسان ويذكر ويؤنث. والروحية في الفلسفة تقابل المادية، وتقوم على إثبات الروح وسموها على المادة وتفسر في ضوء ذلك الكون والمعرفة والسلوك، والمقصود من العنوان جملة هو الكشف عن الصالات الثقافية والعلاقات المعرفية ذات الصلة بمدارس التصوف والسلوك خاصة.
وفي ما يخص مقاربة موضوع المحاضرة وتأصيله نتناول المحاضر مسألتين أوالهما تستعرض جانبا من تنويه الشناقطة بإخوانهم المغاربة و ثنائهم على الجهد العلمي الذي تلقوه منهم، سواء تعلق الأمر بتقدير أرباب السلطة والحكم أو بتكريم الأئمة وأهل العلم وهي اسباب مكنت من الحضور المغربي المتميز في الذاكرة الشنقيطية.
وأضاف: "لقد كان للمغرب في ذاكرة الشناقطة حضور كبير، وذلك لما امتاز به من موقع استراتيجي وعمق تاريخي، وتميز معرفي فهو ممر لقوافل الحجيج، ومعبر لهجرات العديد من المجموعات البشرية القاطنة في بلاد شنقيط كما هو محط أنظار الطلبة والدارسين".
واعطى المحاضر نماذج شعرية عن تعبير الشناقطة عن ذلك الإمتداد العلمي والتأثير الصوفي، من خلال قصائد وشهادات جاءت على شكل إنشادات شعرية وإشادات نثرية منها:
تلك الدالية التي امتدح بها سيدي عبد الله بن محم المعروف بابن "زاركة" البيت العلوي وغيره ممن كانوا عل صلة ببلاد المغرب.
وتطرق المحاضر إلى تاريخ انتشار كتب التصوف المغربية في بلاد شنقيط، والحفاوة التي لقوها من الشناقطة على غرار كتاب: دلائل الخيرات ونصيحة الإمام الهلالي، وأبن سكري وانتهاج الطرق الشاذلية والقادرية إلى غير ذلك، وصولا إلى الحلق العلمية والدروس والمناظرات والمساجلات.
نشير إلى المحاضرة اشفعت بمداخلات عدة من طرف الحضور، كما سبقتها كلمة ترحيبية لمدير المركز الثقافي المغربي في انواكشوط سعيد الجوهري، أكد فيها على المحاضرة تدخل ضمن سلسلة انشطة المركز المعهودة والتي تعكس عمق الروابط الثقافية بين موريتانيا والمغرب.