في نهاية كلّ عام وقبل بدء عام جديد يجلس المرء مع نفسه ويرى ماذا حقّق وفيمَ أخفق أو من المفترض أن يفعل ذلك! ويتبارى المختصّون والمحلّلون في إبراز أهم أحداث العام وتوقّعاتهم للعام الجديد .
تنقسم الدّول عادة إلى قسمين: دول فاعلة في المجتمع الدّولي والسّياسة العالميّة ومحرّك رئيسيّ لها. ودول أخرى مفعول بها، قد تتفاعل مع الأحداث وقد لا تتفاعل. لكنّها في جميع الأحوال غير محرّكة لها وفي كثير من الأحيان لا تعرف مآربها!
فعلى سبيل المثال من أبرز أحداث العام الماضي، قرار الرّئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ بسحب القوّات الأمريكيّة من سوريا في غضون شهر بدّله لاحقا بأربعة أشهر .
البرهان على أهمّيّة القرار وخطورته الّتي لا نفهمها كدول عربيّة مفعول بها، هو تداعياته الّتي وصلت إلى حدّ استقالة وزير الدّفاع الأمريكي بالإضافة إلى قائد القوّات الأمريكيّة في المنطقة مع اعتراض كبرى الدّول الأوروبيّة. ولأنّنا دول غير محرّكة للأحداث حتّى لو كانت تخصّنا فلم يخرج علينا محلّل سياسيّ عربيّ واحد يعرّفنا مآرب هذا القرار المفاجئ سوى بعض الإجتهادات من هنا وهناك البعيدة عن المنطق!
في المنطقة العربيّة كمنطقة مفعول بها يحاول الإعلام أن يسيطر بتوجّهاته المختلفة على عقولنا بإبراز أحداث وتجاهل أخرى لأغراض معينة .
على سبيل المثال، حاول الإعلام العربي أن يقنعنا خصوصاً قناة الجزيرة أنّ قضيّة مقتل الصّحفي السّعودي جمال خاشقجي داخل سفارة بلاده في أنقرة، هو الحدث الأهم في الخمس سنوات الأخيرة. وأفردت له قناة الجزيرة القطريّة تغطية تقترب من اثنتي عشرة ساعة يوميّاً لفترة طويلة وذلك لأسباب مخابراتيّة نعرفها جميعاً تتعلّق بالصّراع بين قطر والسّعوديّة وكرد فعل موازٍ كانت التغطية مماثلة أيضاً لأسباب مخابراتية للقنوات التابعة للسعودية وحلفائها مثل العربية وسكاي نيوز عربية.
مع أن الأمر لم يكن كذلك على الرّغم من خطورته وشناعته إلّا أنه في إطاره المحدود لم يخرج عن كونه عملية اغتيال لشخص تقول دولته وراء الكواليس إّنه عميل مخابرات أجنبية ويمتلك معلومات تخص أمنها القومي. فهو لم يكن مثلا زعيماً سياسياً يريد أن يغير نظام الحكم في بلاده !
وقد كان اهتمام الدول الغربية بهذه القضية فقط لأن عملية الاغتيال تمت بهذه الوحشية والسذاجة داخل سفارة في دولة أجنبية تمتلك حصانة دبلوماسية. ولو كانت تمت بغير هذه الطريقة وفي مكان غير السفارة لمرّ العالم عليها مرور الكرام !
فبالمقارنة بين هذه القضية وقضية مظاهرات وأحداث عنف راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى في دولة عربية كبرى مثل السودان. فجميع المقاييس العقلية والمنطقية تصبّ في صالح القضية السودانية لأنها في النهاية قضية وطن تخص دولة كبرى. وحديث عن ثورة حقيقية تدور رحاها في بلد النّيلين مطالبة برحيل الرئيس السوداني عمر البشير وحكم الأخوان أو كما يسميهم السودانيين الكيزان الذي امتد لما يقارب الثلاثة عقود، قسم فيها السودان وافتقر فيها شعبه رغم ما تمتلك بلاده من ثروات وموارد طبيعية!
لكن المقاييس الاعلامية العربية مختلفة. فلكل قناة مآربها وجهاز المخابرات الذي يحركها وأجندتها المعروفة وغير المعروفة. وفي الواجهة إعلاميين محترفين عملوا في السابق في أهم القنوات الإخبارية في العالم ومليارات من رؤوس الأموال المدفوعة !
فالثورة السودانية سجلت في الأسبوع الأول أربعين قتيلاً حسب منظمات دولية تعترف الحكومة السودانية بنصفهم فقط. وهو ضعف ضحايا أحداث ثورة يناير في مصر في أسبوعها الأول التي غطتها قناة الجزيرة منذ اللحظة الأولى لساعات متواصلة !
فقد كان هناك تعتيم إعلامي عربي عن الأحداث لمدة عشرة أيام متواصلة خاصة قناة الجزيرة القطرية حيث أن نظام الحكم الإسلامي في السودان مدعوم من جانب قطر وتركيا وهناك تقارير تتحدث عن تبرع أمير قطر بمليار دولار ولا نعرف ماذا تقدم تركيا خلف الستار في محاولة لإنقاذ حكم الكيزان في السودان .
الخلاصة أنه مرّ عام كأنه لم يمرّ ولم نعرف أهم أحداثه فقط لأنهم مفعول بهم ويريدون أن يفعلوا بنا!