في ذكرى الثورة.. هل تجاوز الإعلام التونسي عقبات الماضي؟ | صحيفة السفير

في ذكرى الثورة.. هل تجاوز الإعلام التونسي عقبات الماضي؟

اثنين, 14/01/2019 - 12:57

تطفئ الثورة التّونسية اليوم شمعتها الثامنة.. وهي سنوات عرف فيها الإعلام التونسي طفرة كبيرة، كما أضحت تونس الأولى في العالم العربي من حيث مؤشر الديمقراطية، كما تجمع كل الدراسات والأبحاث..
واندلعت هذه الثورة الشعبية، في 17 ديسمبر/ كانون أول 2010، وفي 14 يناير/ كانون الثاني من العام التالي، أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987: 2011).

مع الأشهر الأولى للثورة، اعتبر كثيرون أن الإعلام التونسي عرف استفاقة من كبوة الماضي، وانتقل من مختلف أساليب “الإملاءات”، أو ما تُسمى بصحافة القصر وتمجيد النّظام، إلى حقبة أخرى عرفت طفرة إعلامية بها محتوى متعدد ومتنوع.
لكن خبراء أعربوا، في أحاديث للأناضول، عن خشيتهم من مطامع سياسية ورؤوس أموال تسللت إلى غرف الأخبار والمنابر الإعلامية، مما يهدد بدفع الخطاب الإعلامي إلى خدمة مصالح ضيقة، والابتعاد عن أهدافه وضوابطه الأساسية.
ويُنظر إلى تونس على أنها النموذج الديمقراطي الوحيد الناجح في الدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي، ومنها: مصر، ليبيا واليمن.
وتوجد في تونس 85 جريدة ورقية، و81 جريدة إلكترونية، و44 إذاعة، و17 قناة تلفزيونية، وتضم نقابة الصحفيين نحو 1500 صحفي .

السلطة والمال الفاسد

يقول نقيب الصحفيين التّونسيين، ناجي البغوري، إنه توجد “تهديدات يتعرض لها الإعلام من السلطة التنفيذية، إضافة إلى المال الفاسد، عبر محاولات لتسخير الإعلام لفائدتهم، ودورنا هنا هو دعم الاستقلالية”.
ويضيف للأناضول: “يجب أن يكون تمويل وسائل الإعلام شفافا، إذ نخاف أن تتحول بعض الوسائل إلى عملية لتبييض أموال”.
ويستدرك: “كل وسائل الإعلام في كافة أنحاء العالم لها أجندات، لكن الأهم هو منح فرص للجمهور عبر التنوع والإطلاع على وجهات نظر مختلفة”.
ويرى البغوري أنه “يجب أن يكون هناك ميثاق أخلاقي حتى تكون وسائل الإعلام فضاء للديمقراطية والاختلاف واحترام القيم، بعيدا عن العنف والكراهية وإقصاء الآخر والمس بقيم حقوق الإنسان”.

دخول غير المتخصصين

يذهب الخبير في علوم الاتصال، رضا الكزدغلي، إلى أنه “بعد الثورة أصبح هناك تماهٍ بين الإعلام والسياسة قد ينبئ بواقع غير محمود، فالإعلام أصبح يخضع لإملاءات السياسة”.
ويلفت إلى “إشكالات، منها الأداء المهني التخصصي وفتح المجال أمام غير متخصصين في الإعلام، ما أحدث أداء مهتزا على المستوى المهني، وهو ما يتطلب معالجة عميقة من أهل القطاع”.
ويتابع: “توجد ثلاثة أصناف في المنظومة الإعلاميّة: أصحاب الاستثمار ورؤساء التحرير برواتب خيالية، وجانب آخر وهم ناقلو الخبر الذّين يتنقلون صيفا وشتاء في ظروف صعبة وأوضاع هشة ولا يجدون بديلا إلا مواصلة الوقوع تحت الاستغلال”.
أما الصنف الثالث، بحسب الكزدغلي، فهم “أناس تموقعوا في المشهد بقوة المال وبالعلاقات واللوبيات ليمارسوا تجارة الرأي والتأثير حسب توجهاتهم الإيديولوجية السياسية والفكرية، فأثروا سلبا على المشهد”.

فراغات تشريعية

أما أستاذ علوم الإعلام والاتصال، عبد الكريم الحيزاوي، فيرى أن “قطاع الإعلام يشكو اليوم من فراغات تشريعية كبيرة، فلا يوجد نص قانوني ينظمه ويترجم الانتقال مثلا من إعلام حكومي إلى إعلام عمومي، وهو أمر ضروري”.
وشدّد الحيزاوي، في حديث للأناضول، على “ضرورة إيجاد آليّة تطبق الأطر القانونيّة التي ضبطها الدستور فيما يتعلق بالحق في الإعلام وتنظيم المهنة الصحفيّة، فرغم الدور الذّي تقوم به الهايكا (الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري) فإنه يبقى غير كافٍ، لأنها مختصة في مجالي السمعي والبصري، وهما مجالان يشهدان تراجعا أمام الوسائل الإلكترونية والرّقمية”.

ويزيد بأنه “لا يوجد اليوم مسؤول يمكن محاسبته على أداء الدولة فيما يتعلق بإصلاح المنظومة الإعلامية.. هذه ثغرة وأمر غير مقبول”.
ويدعو إلى “تكوين هيكل ينظم القطاع أكثر بمختلف وسائله، فلا يمكن تركه دون رعاية من الدّولة، بعيدا عن المنطق القَديم المنافي لقواعد الديمقراطية”.

شفافية منقوصة

فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي يرى الحيزاوي أنه “لا توجد شفافية بشأن تمويلات المؤسسات الإعلامية الخاصّة، والسّبب هو عدم وجود هيكل رسمي توكل له مهمة متابعة مدى شفافية وملكية وسائل الإعلام، فقانون الصحافة يمنع احتكار وسائل الإعلام، وهذا لا يمكن تطبيقه إلا عند معرفة مالكي المؤسسات”.
ويشدد على أنه “من الضروري إصدار تقرير سنوي حول المشهد الإعلامي، وهو من النقائص والثغرات الموجودة اليوم”.
ويعتبر أن “الصحافة المكتوبة في تراجع كبير أمام منافسة السمعي البصري والوسائط الإلكترونيّة المتوفرة مجانا، كما أن المضامين السمعية البصرية في الإعلام العمومي لا تزال في حالة انتقال من الصبغة الرسمية إلى إعلام يخدم العموم، بينما تركض وسائل الإعلام الخاصّة نحو جلب أكثر نسب من المشاهدين، وبالتالي جلب المستشهرين (المعلنين)”.

ويدعو الحيزاوي إلى “أن تتخلى الدولة عن جانب من مراسيم كراء (استئجار) الترددات للقنوات الخاصة، مقابل التزام الإذاعات الخاصة بتقديم مضمون إعلامي ذو مصلحة عامة”.
ويرى أنه “لا بدّ من مراجعة النموذج الاقتصادي للقنوات الخاصة حتى لا تبقى تلهث وراء الإشهار (الإعلان) والبرامج ذات الصبغة الشعبوية، التي لا تتضمن ذوقا راقٍ، بل تكون فيها الفرجة هابطة.”
ويزيد الحيزاوي بقوله: “هنا لا نحمل تلك القنوات المسؤولية، بل الدولة تتحمل جزءا منها، مما جعلها لا تنتج برامج إخبارية ووثائقية وترفيهية ذات جودة”.

برامج التهريج

يرى نقيب الصحفيين التونسيين أن القطاع “يعيش اليوم نوعا من الفوضى في القنوات (التلفزيونية) الأكثر تأثيرا.. ولا يجب أن يُختزل المشهد الإعلامي والرسالة الإعلامية في بعض برامج التهريج.. لكن يجب التأكيد على دور الإعلام في الترفيه”.
ويقول الكزدغلي: “وصلنا إلى مرحلة من الرداءة في بعض المضامين الإعلامية.. أدعو إلى تجاوز هذه المرحلة عبر فعل جماعي على اختلاف المشارب السياسية”.
ويشدد على أنه “لابد من وقفة نقدية موضوعية مسؤولة أمام المشهد الإعلامي حتى لا ينفلت أكثر وتزداد الفجوة بين الرأي العام والقائمين على الإعلام”.
ويرى نقيب الصحفيين أن “هشاشة الجسم الإعلامي جعلت فيروسات الاستخبارات والسفارات توظف المشهد لصالحها.. توجد علاقات مشبوهة بين إعلاميين والحضور الدبلوماسي في البلاد”.
ويتابع: “توجد قوى تحاول التحكم في المشهد الإعلامي التونسي .. وهناك من يوجه الرّأي العام التونسي، وحتّى قادة الرأي، بما يخدم مصلحة هذه التوجهات على المستوى الإقليمي، وهنا يجب الانتباه أكثر”.

واقع هش للصحفيين

يدعو الأكاديمي الحيزاوي إلى “تفكير وطني ومبادرة للنظر في المهنة الصحفية على أسس جدّية، لأنها مفتوحة على كل من يريد امتهان الصّحافة، وعلى كل من يرضى عنه مالكو القنوات الخاصّة.. لابد من دعم اختصاص الصحافة.”
ويزيد بأنه “يجب التفكير بتمييز من يحمِل شهادة جامعية في الاختصاص عمن يحمل شهادة جامعية في غير الاختصاص، فالتعليق على الأحداث والممارسة الميدانية يتطلب تكوينا صحفيا”.
ويرى الكزدغلي أن “الصحفي يعاني واقعا اجتماعيّا صعبا، والجانب التكويني من تدريب وغيره لا يزال منقوصا.. يجب أن يكون مستقلا”.

ويقول نقيب الصحفيين إنه “بعد ثورة 2011 أصبحنا نتمتع بمناخ به حريّة غير مسبوق، لكنها وحدها لا تصنع الصحافة، فهي مهنة لها ضوابطها، لذلك كان لا بد من إصلاح القطاع عبر توفير قوانين.. كما أنّ الجانب المادّي بقي منقوصا، وهو الذّي يساهم في استقلالية الصحفي”.
ويختم بأنه “يجب أن يكون لدينا إعلام موضوعي وفق ضوابط مهنية وأخلاقيّة.. إمكانية الإصلاح مازالت موجودة، ووضع الصحافة في تونس هو الأفضل بكثير في المنطقة بشهادة المنظمات الأممية التي تعتبره نموذج نجاح”.

 

 الأناضول