تنشر "السفير" على حلقات مقالاً مفصلاً يتمضن معلومات مهمة وموثقة حول ظاهرة التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، للدكتور المحجوب بنسعيد المشرف على مركز الإعلام والاتصال في منظمة الإيسيسكو.
ويعتبر الدكتور في توطئته أن الإسلاموفوبيا "ظاهرة تسيء إلى الإنسانية جمعاء، وتَتعَارَضُ مع مبادئ حقوق الإنسان ومع أحكام القانون الدولي"، قبل أن يتسائل عن متى تخصص الأمم المتحدة يوما عالميا لمحاربة الإسلاموفوبيا بكل مظاهرها وأشكالها؟.
دور الإعلام الغربي في التخويف من الإسلام
إن صناعة الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام والمسلمين في الصحافة المكتوبة والتلفزيون والسينما تعد وسيلة من وسائل معاداة الإسلام واعتباره تهديدا خطيرا للغرب ، وبالتالي بث الفزع والخوف في نفوس المتلقين للرسائل الإعلامية من كل ما يمث بصلة للحضارة الإسلامية بصلة.
وقد دأب الإعلام الغربي بمختلف مكوناته على ترويج صور نمطية عن الإسلام موغلة في الازدراء والاستخفاف والاحتقار، وهي صور سلبية في الغالب ولا تعكس إلا ما يحب مصورها أن يراه، حيث لعب التصوير النمطي stereotyping دورا سيئا في رسم ملامح الإسلام والمسلمين، محدثا بذلك أثرا قبيحا في نفوس الآخرين.
وتعتبر القولبة الإعلامية أبرز وسيلة ينهجها الإعلام الغربي من أجل توصيف الإسلام في قوالب نمطية مشوهة له ومخوفة منه، وهي تستند إلى جهاز كامل من الأحكام المسبقة والتي لها رصيد ضخم في المخيلة الغربية، مما يجعل تصور العالم الإسلامي بكل مكوناته ومقو
ويرى إدوارد سعيد أن عملية تشويه صورة الإسلام عبر التاريخ قد مرت بثلاثة مراحل هي المرحلة الصليبية والمرحلة الاستشراقية، والمرحلة الإعلامية التي تم الاعتماد فيها من طرف الإعلاميين على الأفكار المسبقة التي أنضجتها واختلقتها المرحلة الصليبية والمرحلة الاستشراقية. لقد صنع الإعلام الغربي صورة مخيفة ومروعة عن الإسلام والمسلمين، مستعيدا في ذلك الاحتكاك العنيف الذي طبع تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب أثناء الحروب الصليبية، كما استند إلى الدراسات الاستشراقية المتحاملة على الإسلام وحضارته.
إن الصورة النمطية المشوهة التي رسخها الإعلام الغربي في ذهن الإنسان الغربي حول الإسلام استطاعت أن تجعله يخاف من هذا الدين ويقع فريسة لوهم افتراءات مقصودة كان الهدف منها الحيلولة دون إقبال الإنسان الغربي على الإسلام أو التعرف عليه. وبتكريس صورة نمطية مخيفة عن المسلمين، أصبح من الطبيعي أن تتوجه أصابع الاتهام إلى الإسلام ومعتنقيه كلما حدث انفجار أو تدمير إجرامي في أي مكان في العالم. ويمكن القول بأن الصور الإعلامية النمطية عن الإسلام قد ساهمت في انتشار حملة دعائية عبر وسائل الإعلام الغربية استهدفت أسلمة "الإرهاب"، وبالتالي أصبح العالم الإسلامي الضحية النموذجية لما يطلق عليه بلغة الإعلام "شيطنة العدو" أي اعتبار المسلمين من دون استثناء شرا مستطيرا ومصدر رعب وتخويف للغرب.
وتعتبر أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية منعطفا ضاعف من الحملات المغرضة على الإسلام والمسلمين، ومناسبة ظهر فيها بجلاء دور وسائل الإعلام الغربية في انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام، حيث اندلعت حملة شرسة على الإسلام والمسلمين وازداد التفنن الإعلامي في ترويج الصور النمطية المشوهة معززا بسيل جارف من التصريحات الأكاديمية والسياسية. كما كانت تلك الأحداث فرصة مواتية لبعض القادة السياسيين ورجال الدين في الغرب لتمرير خطاب العنصرية والاستعلاء وترسيخ شعور الخوف والفزع من الإسلام وحضارته. ولعل أبرز هذه التصريحات ما صدر عن الرئيس الأمريكي "جورج بوش الابن" عندما استعمل عبارات مثل "الحروب الصليبية" والتي أثارت جدلا شديدا وكان لها وقع خطير بالرغم من تراجعه عن تصريحاته وزيارته لمسجد واشنطن والاجتماع مع ممثلي المسلمين في أمريكا.
وعلى المستوى الديني صرح القس البروتستانتي "فرانكلين غرام" أحد أبرز رجال الدين المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن الإسلام "دين شيطاني جديد" في مقابلة له مع برنامج (Nightly news) في قناة NBC الأمريكية، بل اعتبر أن الإسلام "هو الذي هاجم أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر، كما أن المسلمين يعبدون إلها مختلفا عن الذي يعبده المسيحيون".
وفي أوربا كانت ردود الفعل تتسم بالعنف والعدوانية وأحيانا بعدم مراعاة اللباقة الديبلوماسية، وتستند على توجه بالغ التشاؤم والتطرف يبعث على الخوف والفزع من الإسلام دينا والمسلمين كمواطنين أوربيين. ومن أمثلة ذلك تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي السابق "برلسكوني" التي اعتبر فيها الحضارة الإسلامية أقل شأنا من الحضارة الغربية لأنها متعصبة ومنغلقة على نفسها وبالتالي متخلفة عن الركب الحضاري الإنساني المعاصر. وفي هذا الصدد قال: "إن الغرب يجب أن يثق في أن حضارته أرقى من حضارة العالم الإسلامي، ويجب أن نكون على وعي بتفوق الحضارة الغربية التي تقوم على نظام من القيم يوفر للشعب الرخاء في الدول التي تتبناه وتضمن احترام حقوق الإنسان والدين، وهذا الاحترام غير موجود بالتأكيد في الدول الإسلامية".أما النائب المسيحي الديموقراطي الألماني "مارتن هوفمان" فقد رأى أن "الله في الإسلام ليس هو الرب في المسيحية" واعتبر أن الخلط في ترجمة الله إلى الرب ينقص من قيمته الألوهية الرفيعة في المسيحية". وتفاعلت هذه التصريحات الصادرة عن قيادات سياسية ورجال دين غربيين مع التعليقات والتحليلات الصحافية في الغرب، فكان التأثير والتأثر والتكامل والانسجام بينهما واضحا نتجت عنه حملة إعلامية شرسة على الإسلام وحضارته، وموجة عنصرية كان ضحيتها المواطنون المسلمون المقيمون بصفة شرعية وقانونية في البلدان الغربية. كما طال الخوف من الإسلام المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية في الغرب التي تعرض كثير منها للرمي بالحجارة والحرق والتخريب.
ومن الأمثلة الدالة على الدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام الغربية في انتشار ظاهرة الخوف من الإسلام نذكر في هذا السياق ما قامت به وسائل الإعلام الفرنسية من حملة شرسة ضد الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث تحولت معاداة الإسلام إلى تجارة رابحة، وصارت الصحافة الفرنسية تضع على عاتق المسلمين الأزمة الاقتصادية برمتها والبطالة واختلال الأمن. كما أن المجلات الفرنسية خصصت أعدادا تدور محاورها حول الإسلام، فارتفعت معدلات مبيعاتها 15% وازدهرت تجارة معاداة الإسلام، وحصل الخلط بين الإسلام والإرهاب والعنف(
وقد صدرت عشرات المجلات الأسبوعية والشهرية بأعداد خاصة تدور محاورها حول "الإرهاب الإسلامي" أو "القرآن والعنف" أو "الإسلام والسيف". وتم الإعلان عن هذه المجلات عبر لوحات إشهارية ضخمة في المدن الفرنسية في الأماكن العمومية وفي حافلات نقل الركاب ومحطات القطارات، مما ساهم في تعزيز شعور الخوف من الإسلام لدى المواطنين الفرنسيين.
لقد ظلت وسائل الإعلام الغربية تمثل أبرز قنوات الاتصال التي تنتج وتفرخ سياسة التخويف من الإسلام في الغرب، فهي بما تمتلكه من إمكانات جبارة وقدرة هائلة على الانتشار وقوة الجذب والتأثير استطاعت أن تجعل الشأن الإسلامي ضمن اهتمامات الإنسان الغربي، وأن تلعب دورا رئيسا في تكوين الرأي العام وصياغة الأفكار والآراء وإثارة مشاعر الغضب والخوف من الإسلام داخل المجتمعات الغربية. ولذلك تمكنت من استغلال هذا الأمر لترسيخ صورة رهيبة ومخوفة عن الإسلام والمسلمين في مخيلة المشاهد والقارئ الغربي بذلك.
غير أنه من باب الإنصاف تجدر الإشارة إلى وجود مفكرين غربيين على قلتهم، ناهضوا ظاهرة الإسلاموفوبيا بالكشف عن آلياتها وفضح أدواتها، ومن هؤلاء نذكر على سبيل المثال لا الحصر ثلاثة مفكرين بارزين هم: نعوم تشومسكي (Noam Chomsky)، وجون ايسبوزيتو (John Espisito)، وجاك شاهين (Jack Shaheen) ففي كتاب "سيطرة الإعلام: الإنجازات المثيرة للدعاية" أبرز المفكر "نعوم تشومسكي" خطورة وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام ونبه إلى خطورة هيمنة الدولة على مؤسسات الإعلام التي ما انفكت تروج لأباطيل خدمة لسياسات وأهداف ثلة من المسؤولين داخل مؤسسات الدولة الأمريكية حتى باتت معرفة الحقيقة من ذلك الكم الهائل من الأكاذيب أمرا عسيرا. ويرى تشومسكي أن الأسلوب الدعائي يلقى موقعا حسنا في نفوس صناع السياسة الأمريكية، حيث أخذوا يتسعون في الأنشطة الدعائية والإنغلاق على مؤسساتها، والإسراف في توظيفها، فاستخدموها بطريقة فعالة في نشر الرعب والهلع من الخطر الأحمر العالمي إبان الحرب الباردة مع المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السيوفياتي، وهو الأمر الذي تحول بعد انتهاء هذه الحرب إلى العالم الإسلامي والتخويف من خطر مماثل ولكن بلون أخضر.
أما (جون ايسبوزيتو) فقد أصدر كتابا سنة 1999 تحت عنوان (التهديد الإسلامي: أسطورة أم حقيقة )في فترة تعالت فيها الأصوات المعادية للإسلام، وازداد فيه المنظرون والمبشرون لنظرية صدام الحضارات ونهاية التاريخ. ويعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب التي صدرت في نهاية القرن العشرين لكونه يمثل خطابا معتدلا يعتمد منهجية موضوعية بعيدة عن التشنج والاستعداء، حيث أوضح صاحبه بأن تصاعد المخاوف من الإسلام تزامن مع انتهاء الحرب الباردة وخصوصا مع الفراغ الهائل الذي نتج عن انهيار المعسكر الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفياتي بشكل سريع ومذهل.ويرى (جون ايسبوزيتو) أنه نظرا لكون الثقافة الأمريكية والأوربية قد تكونت على أساس مواجهة الآخر الثقافي، كان لابد من اختراع عدو جديد تنشغل به العقول والمؤسسات لأمد إلى حين انتهاء الأمريكيين من إعادة تشكيل العالم.
وأكد (جون ايسبوزيتو) إن أصواتا معادية للمسلمين تعالت من فوق منابر مختلفة: سياسية، وثقافية وأكاديمية، وعسكرية في إطار الدعاية لمشروع (النظام العالمي الجديد).ولذلك فإن وسائل الإعلام الغربية، وخصوصا الأمريكية، شرعت في الترويج لهذا المشروع بترويع الشعوب وتخويفهم من الخطر الوشيك، ووضع عناوين صحافية مستفزة مثل "الحرب الإسلامية ضد الحداثة"، و"الهلال الجديد في أزمة"، و"الهلال الجديد والغرب"، و"القنبلة النووية الإسلامية".وشدد (جون ايسبوزيتو) حملته النقدية على المؤسسات العلمية والثقافية التي لعبت دورا في عملية التشويه وطمس الحقائق وفي هذا الصدد أكد في كتابه المذكور بأن "المنهج الانتقائي أضاف إلى جهلنا بالإسلام والعرب جهلا وضيق مجال رؤيتنا بدلا من أن يوسع آفاق إدراكنا وفهمنا"، كما شن هجوما شديدا على الاستعمال المغلوط لمصطلح "الأصولية" وفق الاستعمال اللاهوتي لها في أدبيات الكنيسة وإسقاطه بذلك المعنى على المسلمين. واستطاع (جون ايسبوزيتو) في كتابه المذكور إماطة اللثام عن كثير من الشبهات وكشف حقيقة ظاهرة الإسلاموفوبيا من خلال التأكيد على أن مسألة التهديد الإسلامي للعالم هي محض خرافة، صنعها الغرب وصدقها ووقع في أسرها.
أما الكاتب جاك شاهين، الأمريكي الجنسية من أصل عربي لبناني، فقد أصدر سنة 2001 مؤلفا بعنوان "العرب الأشرار"، جمع فيه حصيلة بحث ودراسة استغرقت منه عشرين عاما تتبع خلالها بالعرض والتحليل أكثر من 900 شريط سينمائي وتلفزيوني تصور العرب والمسلمين في السينما الأمريكية خلال القرن العشرين برمته. وقد استطاع هذا الكتاب، في رأي النقاد، تحقيق نتائج مهمة حيث يمثل مصدرا أكاديميا للباحثين في المجال السمعي البصري لكونه قام بفهرسة وترتيب كم هائل من الأشرطة حول العرب والمسلمين في أمريكا. كما أحدث هزة ثقافية وسياسية في أوساط النخبة المثقفة لكونه إدانة سياسية لمؤسسات الدولة وللمؤسسات الخاصة ولطائفة من الكتاب والمشتغلين بالإخراج والإنتاج السينمائي الذين عملوا من أجل الترويج لأهداف الصهيونية وربائبها في الغرب من خلال طمس الحقائق، وإعادة تركيب الوقائع والأحداث بما يخدم مصالحهم، ثم إن المؤلف المذكور أحدث حالة من الوعي لا في النخبة المثقفة فحسب، بل في جمهور الناس من العامة المفتونين بمشاهدة الأشرطة السينمائية.
وخلاصة القول فإن ظاهرة تشويه صورة الإسلام والمسلمين والتخويف منهم عبر وسائل الإعلام الغربية تندرج في سياق حرب ثقافية ممتدة ضد الإسلام وحضارته تبدأ من الدراسات الاستشراقية وتستمر عبر المناهج والمقررات الدراسية وتتواصل عبر الصحافة المكتوبة والتلفزيون والسينما والإنترنيت. وقد ساهم هذا المخطط المحكم في انتشار وتغلغل حالة نفسية جماعية من الرعب والفزع والخوف من الإسلام في المجتمعات الغربية، خصوصا الأمريكية والأوربية اصطلح عليها بظاهرة الإسلاموفوبيا.
وقد زاد من استفحال الظاهرة تصرفات بعض المسلمين في أمريكا وأوربا كالغش في العمل، والسرقة في المحلات التجارية، وعدم احترام قوانين السير، والسكر واللجوء إلى العنف ضد النساء، وتفجير محطات القطارات والمترو، وغيرها من السلوكيات التي تتنافى ومبادئ الإسلام السمحة وتتعارض مع الأخلاق الإسلامية الداعية إلى السلم والآداب والعفة والطهارة والإخلاص في العمل واحترام الآخر. فبدلا من أن يكونوا نموذجا لثقافة الإسلام وقيمه يقتدي به الآخرون في زمن الانهيار الأخلاقي والتفكك الأسري في المجتمعات الغربية، يلاحظ أن كثيرا منهم يعطون نقيض ذلك الانطباع، سواء بالقول أو بالفعل، مما تسبب في ردة فعل لدى الغربيين، بل وفر أرضية مناسبة لكل مغرض يريد أن ينال من الإسلام، كما قدم فرصة سانحة للعنصريين وللجماعات المتعصبة الكارهة للوجود الإسلامي في الغرب لإيذاء المسلمين والمطالبة بطردهم.
وقد استغلت وسائل الإعلام الغربية هذه التصرفات المشينة لتغذية الخوف من الإسلام والمسلمين وتشويه صورتهم، مما جعل الغربيين يقبلون على ظاهرة الإسلاموفوبيا على أنها رد فعل طبيعي لا يدعو إلى القلق وتأنيب الضمير.وخصوصا وقد أرهبهم أن المسلمين أصبحوا جزءا لا يستهان به من المجتمع، بل يوشكون في بعض البلدان الأوربية أن يصبحوا الأغلبية بعد عقود من الزمن حسب ما تشير إليه الاحصائيات والتوقعات.
يتواصل..