كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الامريكية، عن تفاصيل الساعات الأخيرة للرئيس السوداني عمر البشير في السلطة، وقالت إنه فوجئ بالانقلاب عليه وشعر بخيانة الناس له، واتهم مدير المخابرات السابق صلاح قوش بتدبير المؤامرة.
وفي تقرير أعده مراسلها ديكلان وولش من الخرطوم التقى فيه أحد الجنرالات الذين انقلبوا عليه. وقال قائد سلاح الجو السوداني الجنرال صلاح عبد الخالق الذي عينه البشير في منصبه هذا في شباط (فبراير) في محاولة لتقوية نظامه المتداعي إن الاعتصام أمام مقرات الجيش جعله يغير من موقفه الموالي.
وكشف عبد الخالق لأول مرة أنه وزملاءه من قادة الجيش أطاحوا بالبشير في انقلاب أبيض في الساعات الأولى من فجر 11 نيسان/ أبريل، وقاموا بالتشويش على هاتفه النقال، وعندما عرف الرئيس السابق أنهم هزموه صعق وكان غاضبا.
ويقول الكاتب إن الجنرال عبد الخالق الآن هو واحد من أقوى الرجال في السودان وجزء من مجلس عسكري انتقالي مكون من 10 أفراد، أما البشير فهو في سجن أمني سيء السمعة بالخرطوم، ويتعرض لتحقيق في غسيل أموال وجرائم مالية أخرى. وصادر المحققون نهاية الأسبوع ما قيمته 112 مليون دولار من مقر إقامته، حسب قول الجنرال عبد الخالق.
والتقى وولش الجنرال صلاح عبد الخالق، الجندي الذي قاتل في حروب السودان الكثيرة وابنه الطيار عبد الخالق، 28 عاما في بيتهما بالخرطوم. وكان عبد الخالق الابن من بين المحتجين أمام مقرات الجيش وشاهد والده وهو يؤكد للمعتصمين أن لا داعي للخوف من الجيش “فهذا الجيش هو جيشكم” و”لن نقاتلكم”، مطمئنا المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني. ويقول الابن: “كان علي أن أكون هنا”. وما دفعه للمشاركة هي حالة الإحباط من تراجع السودان في ظل البشير.
وقال الجنرال موافقا: “لم أوافق في البداية” و”لكن هذا هو التغيير الذي يريده الشباب”.
ويعلق الكاتب أن الإطاحة بالبشير ربما كان الجزء الأسهل من الثورة السودانية، فالأعداد المحتشدة أمام مقرات الجيش ترفض المغادرة حتى يستجيب العسكر لمطالبهم وأهمها تسليم السلطة للمدنيين. وحتى هذا الوقت فالاعتصام كان مليئا بالبهجة وسلميا وجذب إليه الشباب والمغنين والراقصين والخطباء الذين شعروا بالراحة لنهاية حكم البشير القمعي.
ولكن المفاوضات بين المجلس العسكري وتجمع المهنيين السودانيين انهارت نهاية الأسبوع. وفي يوم الأحد تجمع أكبر حشد من المتظاهرين حيث حملوا هواتفهم النقالة التي خلقت بحرا من الأضواء الراقصة وجلس المحتجون على حافة جسر لسكة الحديد وهم يهتفون بصوت واحد. فيما شجب بعضهم رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ووصفوه بـ”القذر”.
وكان البرهان قد دعا يوم الإثنين الابتعاد عن نقاط التفتيش التي تحيط بمنطقة الاعتصام والتي يتم فيها تفتيش المتظاهرين خشية أن يكون بحوزتهم أسلحة، وقال إن الأمن هو مسؤولية الجيش.
ورأى المتظاهرون في تصريحات البرهان محاولة منه لإضعاف التظاهر وربما إنهائه. وقال الجنرال عبد الخالق إنه يدعم حكما مدنيا في النهاية ولكنه حذر من النتائج الخطيرة لو استمر القادة المدنيون للتظاهر الضغط على الجيش تسليم السلطة مباشرة وحذر قائلا: “هذه الفكرة تقودنا للحرب الأهلية”.
ومع تزايد التظاهرات ووصول المحتجين إلى القيادة العامة في 6 نيسان/ أبريل، بدأ الجنرال بتغيير موقفه. ويقول إنه بدأ يشعر بالخيبة من حالة الفساد ولم يستطع السفر لعدة دول عربية وأفريقية وأوروبية بسبب العقوبات الأمريكية. وبعدها فقد السيطرة على قواته. فعندما قامت قوات موالية للبشير بإطلاق النار على المتظاهرين ترك عدد من جنود سلاح الجو أماكنهم للدفاع عن المتظاهرين مما أدى لمناوشات خارج أبواب القيادة العسكرية. وعندما زادت أعداد المحتجين وصلت رسالة هاتفية للجنرال صلاح من ابنه عبد الخالق الذي قال له إنه انضم للمتظاهرين. ويعرف عبد الخالق البشير عبر علاقته مع والده. ويتذكره رجلا يحب المزاح مع أي شخص. لكن عبد الخالق أصبح قلقا من البؤس والعزلة التي أصبحت علامة حكم البشير.
وزادت أسعار الطعام وقلت السيولة النقدية وفرغت آلات الصرف الآلي، ولم تستطع شركة الطيران الخاصة التي يعمل بها الحصول على قطع الغيار بسبب تصنيف الولايات المتحدة السودان كدولة راعية للإرهاب. وفي العام الماضي تقدم بطلب للحصول على البطاقة الخضراء من خلال اللوتري. ويقول: “أعرف أن والدي في الداخل ولكنني سوداني وعلي أن أكون مع شعبي”.
وتقول الصحيفة إن القيادة العليا للجيش التقت في منتصف ليلة 10 نيسان/ أبريل، لمناقشة مصير البشير. واتفقوا بعد ساعة على الإطاحة به. وفي الساعات التي سبقت العملية تحدث عبد الخالق مع ضباطه الصغار حول الأحداث القادمة “عليك أن تتحدث معهم، ومن الخطورة أن لا تخبرهم بما يحدث”.
القيادة العليا للجيش التقت في منتصف ليلة 10 نيسان لمناقشة مصير البشير، واتفقوا بعد ساعة على الإطاحة به
وفي الساعة الخامسة صباحا غير الجيش الحراسة حول بيت البشير وشوشوا على هاتفه النقال. وذهب ضابطان للحديث مع البشير الذي كان مرتبكا وغاضبا، و”شعر أن الناس خانوه” ولام مدير المخابرات صلاح قوش.
وعندما خرجت الأخبار بدأت الاحتفالات، وتبنى الجيش لهجة تصالحية مع المتظاهرين واستجاب لعدد من مطالبهم وتم نقل البشير إلى سجن كوبر الذي كان يسجن أعداءه فيه. وظهرت صور نشرها الجيش وتظهر كميات كبيرة من المال مرصوصة على طاولة. وتم التحفظ على عدد من مساعدي البشير في بيوتهم مثل قوش وعلي عثمان طه الذي هدد بإطلاق ميليشيات “ظل” إسلامية ضد المتظاهرين.
وقال البرهان إن بعض المعتقلين في سجن كوبر والبعض الآخر في أماكن أخرى. ولاحظ الكاتب أن قادة السودان الجدد يبدو أنهم مرتاحون في القيادة، حيث بدأ البرهان بالعمل من مكتب البشير في القصر الرئاسي على ضفة النيل.
وتعهدت السعودية والإمارات يوم السبت بدعم السودان بثلاثة مليارات دولار. ويعتقد الجنرال عبد الخالق أن المطالب بحكم مدني تأتي من “الشيوعيين” داخل المتظاهرين. و”هم أقلية ولكنهم يتحدثون بصوت عال” و”هؤلاء يعارضون من هو في السلطة أيا كان”.
ويقول وولش إن حديث الجنرال عبد الخالق عن الديمقراطية له حدود، فقد دافع عن الجيش السوداني ضد انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وجبال النوبة التي اتهم فيها سلاح الجو السوداني بضرب مواقع المدنيين.
ويرفض إرسال البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية “نستطيع محاكمتهم هنا” متحدثا عن المسؤولين السودانيين المتهمين بجرائم حرب و”لكنك لا تستطيع تسليمهم للرجل الأبيض كي يحاكمهم، الرجال السود، سنحاكمهم هنا”.
وعندما سئل عن مشاعره حول البشير أجاب: “أنا سعيد أنني لست في مكانه”، مضيفا: “لا أعرف ماذا ستكون مشاعري لو كنت في الشارع، ولكنني الآن في القصر”.