لا شيء يوحي بمدنية الدولة الموريتانية في ما يتعلق بالمناصب الحساسة و أماكن صنع القرار، اللهم بالزيْ فقط، رغم بقاء العقلية العسكرية تماما كما كانت داخل الثكنات.
ربما يشعر عناصر جيشنا بالفخر لكونهم يشكلون حالة فريدة في العطاء والتّميز حتى بعد إحالتهم للتقاعد، كل الوظائف السامية مشرعة امامهم بما فيها مقعد رئيس الجمهورية..!
من الغريب أن لا تتغير عقليّة نفوذ العسكر حتى بعد انتهاء الخدمة وكأنّ هذه الارض لم تُنجب ابناءاً إلا من تلك المؤسسة السيادية التي افرغوها من رمزيتها ومن مهامها الأساسية في الذود عن حمى الوطن وتأمين المواطنين وبسط الطمانينة والهدوء في كل ربوع هذا المنكب.
منذ 41 سنة و موريتانيا تُقاد بضباط متقاعدين في السّر والعلن، من ضمنهم رئيس الجمهورية الحالي رغم كونه هو من أقعد نفسه وسعى جاهداً للتعجيل بتقاعد خلف له، في وقت يتم التمديد فيه لآخرين بغية استمرار النهج، لكن أن تُمنح السلطة التشريعية لعقيد متقاعد، ويتولى الجناح السياسي للنظام متقاعد آخر دون انتخاب، خصوصا في ظرف سياسي حرج وحساس، هو بحق تجسيد وتكريس لنهج لا ينوي اصحابه الأفول.
أن تخدم وطنك بإخلاص هو اكبر شرف واغلى وسام، لكن أن تدوس على مواقع وتطرق كل الابواب دون إتاحة الفرصة لأصحاب الإختصاص، فتلك فوضى وبوادر انسداد قد لا تحمدُ عقباه.
يُحرس مرشح النظام اليوم بكتيبة عسكرية متكاملة بل ويتولى بعض الضباط تسيير وتحضير حملته الانتخابية بأملاك الجيش ومقدراته، فيما تحسب جميع الاحلاف السياسية الكبرى بمنتخبيها وأطرها وفاعليها، على كل فريق أو جنرال أو عقيد على حده، أمّا ما يسمى بالنخب المدنية فهي مجرد "قطيع" يتم اقتناء شخوصه بعناية ولأدوار محددة.