بصوت مجلجل، ملؤه الشجاعة وقوة الشكيمة، كان الجندي الإماراتي المصاب يقول: "كل ما أريده أن يُنزع عني هذا الجبس وهذه الأجهزة، لآخذ مجددا مكاني في ساحة الشرف، بين إخوتي؛ لنحرر اليمن من مليشيات الحوثي، أو ننال الشهادة في سبيل رفعة الحق ونصرته".
تذكرت كلمات هذا العربي الشهم، الذي كان أحد جنود إماراتيين أصيبوا في حادث صافر في مأرب، عند زيارتي لهم في مستشفى زايد العسكري في أبوظبي.
الرئيس هادي الآن أمام مسؤولية تاريخية؛ فكما أطلق صرخته لإنقاذ اليمن من المشروع الحوثي الإيراني، يُحتم عليه الوضع الراهن إطلاق صرخة أخرى مدوية داخل بيت الشرعية، لإنقاذه، وإنقاذ اليمن من المشروع القطري الذي يمثل حزب الإصلاح أداته.
الكلمات ذاتها كان إخوة الجندي في الوطن ورفاقه في السلاح يرددونها بصيغ مختلفة أبهرتني أنا الذي كنت بينهم يومها في مهمة تغطية صحفية، فسألت أحدهم: ألا ترغب في فترة نقاهة في بيتك قبل العودة لليمن؟ أجابني: طموحي أن أعود من هذا السرير لمقاتلة الحوثي.
استحضرت مشاهد ذلك اليوم في مستشفى الشيخ زايد العسكري، بكل تفاصيلها البطولية الطافحة بالشجاعة ونكران الذات والتضحية من أجل الإخوة، وأنا أتابع خطاب وزير خارجية الحكومة اليمنية في الأمم المتحدة، حيث وقف أمام العالم ليتهم دولة الإمارات بالمسؤولية عن كل ما جرى في عدن مؤخراً، ويتهمها أيضا بقصف الجيش اليمني!
ساق الوزير اليمني تهمه التي أسرف فيها افتراءً، ثم بخل على نفسه أن يعد دولة الإمارات العربية المتحدة، على الأقل، من بين الدول التي قدمت الدعم الإنساني لليمن الشقيق.
لفتت انتباهي أيضا في خطابه الجملة التي بدأ بها الحديث، حين زعم أن الحادث جاء في الوقت الذي كانت الحكومة اليمنية تسعى في العاصمة المؤقتة عدن للتخفيف من معاناة المواطنين اليمنيين، وهذا ما سأقف عنده قليلا لأسأل معالي الوزير: ما الذي قدمته حكومتك للمواطن اليمني في عدن؟ لا شيء.. ثم لا شيء.
معالي الوزير، إن العالم كله يشهد أن الإمارات كان لها الدور الأبرز في تحرير عدن، التي تعتبرها حكومتك عاصمتَها المؤقتة، و لم تقف عند التحرير فقط، بل عملت بكل جهدها وفي إطار التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، على إعادة الحياة للمدينة بتأمين الكهرباء والماء، وتجهيز المدارس والمستشفيات، ليس في عدن فحسب، بل في جميع المحافظات المحررة من المليشيا الحوثية، وبالرجوع إلى تقرير لوزارة الخارجية الإماراتية فقد بلغ إجمالي المساعدات لليمن 20.57 مليار درهم إماراتي، استفاد منها 17,2 مليون مواطن يمني، في الفترة من أبريل 2015 إلى يونيو 2019 أما تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التابع للأمم المتحدة فيؤكد أن الإمارات حازت المركز الأول عالميا، متصدرة الدول المانحة للمساعدات للشعب اليمني خلال عام 2019، فمزايدتك على دورها الإنساني متهافتة وتهمُك الجزافية مردودة عليك، وتُفندها تقارير الأمم المتحدة التي تجرأْتَ على اعتلاء منبرها، حاقداً على الإمارات وناكراً لأفضالها.
أعلم أنك -معالي الوزير- أغفلت عمداً وتدليسا كونَ الإمارات خاضت معركة موازية ضد التنظيمات الإرهابية، حيث قضت على تنظيمات القاعدة وداعش في المحافظات الجنوبية، مثل المكلا وحضرموت وغيرها، وهنا تذكر معك، معالي الوزير، التجربة السورية التي استطاعت إيران ونظام الأسد القضاء بها على المعارضة السورية، عندما أقنعا العالم أنهما إنما يحاربان الإرهاب، وذلك بإلصاق صفة الإرهاب بأغلب كتائب المعارضة السورية، ولولا بسالة شجعان الإمارات ضد التنظيمات الإرهابية في اليمن لتوغلت القاعدة وداعش في الجيش اليمني، لتكررت التجربة السورية ولنجحت إيران وذيلها الحوثي بالحيلة نفسها في تصنيف الجيش اليمني منظمة إرهابية أمام العالم.
وكسابقتها لا يخفى عليك، معالي الوزير، أن المستفيد الوحيد من اتهامكم الباطل للإمارات والتنكر لجميلها هو دولة قطر التي انسحبت جهارا نهارا من التحالف العربي لاستعادة الشرعية في بلدكم الكريم، والتي تجاهرُ بعدائها لدولة الإمارات وللمملكة العربية السعودية، فكيف تقبلون بعد ذلك أن يلتحم خطابكم الإعلامي بخطابها حد التماهي؟ وهنا لا يختلف اثنان أن وقوف قطر معكم في ظلمكم للإمارات ليس له علاقة باليمن، أو بالمواطن اليمني، بل أجندة أخرى، وأنت تعلم ذلك جيدا.
يدرك أي متابع للساحة اليمنية، أحرى مسؤول سام، أن قطر انسحبت من التحالف، لكنها أبقت على يدها اليمنية المتمثلة في حزب الإصلاح الذي يزداد نفوذه يوما بعد يوم، بعدما نجح قادته في إقناع الرئيس هادي بإقالة رئيس الوزراء الطموح خالد بحاح، الذي كان يمثل طوق نجاة لليمن، لمجرد رفضه مشروع الإصلاح الإخونجي للسيطرة على الحكومة اليمنية.. أقال الرئيس هادي بحاح وعيّن علي محسن الأحمر نائبه، ومن هنا بدأت الشرعية اليمنية في تنفيذ الأجندة القطرية، ضاربة عرض الحائط بكل الضوابط الأخلاقية في تعاملها مع من اختلطت دماء أبنائهم بتراب اليمن الطاهرة.. مع من قدموا بسخاء الدعم اللوجستي والعسكري والإنساني والدبلوماسي للشرعية اليمنية والشعب اليمني.
كان خطاب الوزير تكرارا مبتذلا للاتهامات التي لاكها ممثل اليمن في الأمم المتحدة في جلسة لمجلس الأمن خاصة باليمن، وبالتالي لم تكن جديدة أو مفاجئة، لكنها مستغربة من رأس الدبلوماسية اليمنية في ظل انعقاد جلسات حوار جدة الذي دعت له المملكة العربية السعودية والإمارات، وفي وقت يترقب فيه المواطن اليمني نجاح هذا الحوار الذي سينعكس إيجاباً على حياته اليومية، وهكذا جاءت كلمة الوزير أمام العالم، وكأنه يتصيد الفرص لتعطيل جهود المملكة العربية السعودية لرأب الصدع، وتوحيد الجهود لمحاربة الحوثي.
التنكر لجميل الإمارات إن استمر على المنوال نفسه، دون تدخل من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، سيلحقه حتماً التنكر لجهود المملكة العربية السعودية، وقد تكون الخطوة الموالية انتقال الشرعية للدوحة أو إسطنبول لا قدر الله، وذلك ما يخطط له جناح الإصلاح في الشرعية اليمنية!
الرئيس هادي الآن أمام مسؤولية تاريخية؛ فكما أطلق صرخته لإنقاذ اليمن من المشروع الحوثي الإيراني، يُحتم عليه الوضع الراهن إطلاق صرخة أخرى مدوية داخل بيت الشرعية، لإنقاذه وإنقاذ اليمن من المشروع القطري الذي يمثل حزب الإصلاح أداته.